كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة (اسم الجزء: 1)

وكنت حينَئذٍ غيرَ مقصِّر عن كثير ممن كان يترَدّد إليه، ولم يكن هنالك من يُرشدُني للقراءة عليه والأخذ عنه، ولم أتهَدَّ إلى ذلك من تلقاء نفسي، فحُرمت الروايةَ عنه مع أهليّتي لها وتمكّني من أسبابها لو شاء الله، والسماعُ رزق" (¬1).
ونحسَبُ أن هذه العبارات واضحة الدّلالة على أنّ ابنَ عبد الملك كان في التاريخ الذي يتحدّث عنه ما يزال في حاجة إلى من يوجِّهه ويرشده، ونحسَبُ أنّ والده لو كان حيًّا في هذا التاريخ لأخذ بيده وقدّمه إلى الشيخ المذكور، وقد توفِّي هذا سنة 651 هـ وسنُّ ابن عبد الملك لا تزيد على 15 سنة تقريبًا، وفي هذه السن كان قد نبغَ وأصبح يُذاكر شيوخَه. قال في ترجمة شيخه أبي القاسم البَلَوي: "ولقد ذاكرني بمسائلَ وأنا ابنُ ستَّ عشْرةَ سنة أو نحوها، فذكرتُ له ما عندي فيها، ثم بعد حين وقفتُ عليها مقيَّدة بخطِّه وقد ختمها بقوله: أفادنيها الطالبُ الأنجب الأنبل أبو عبد الله ابن عبد الملك حفظه الله" (¬2). وهذا يدُلّ على نباهة الطالب وتواضع الشيخ، ومما يؤكد نبوغَ ابن عبد الملك في يَفاعته ونجابته في فَتاء سنِّه: ما ذكره ابنُ الزّبير في ترجمته، قال: "وكان الكاتبُ أبو الحَسَنُ الرُّعيني يَستحسنُ أغراضَه، ويستنبل مَنازعَه، وكتَبَ له على بعض كُتبه بخطه بـ"صاحبي ومحل ابني" لفَتاءِ سنِّه، وفائقي نباهةِ خاطره، وذكاءِ ذهنه" (¬3).
وقد نستفيد من قوله في النصّ السابق: "بدار لي لِصْقَ دار مولدي وسُكناي" انفرادَه بمُلكية ما آلَ إليه بعد وفاة والده واستقلاله في الإشراف على أملاكه وشؤونه وهو لمّا يبلُغ الحُلُمَ بعدُ.
ومن النصوص التي تشير إلى وَعْيه المبكّر: ما ذكره في ترجمة أبي عُمر محمد السَّكوني المتوفَّى سنة 646 هـ، قال: "وورد مَرّاكُش ورأيته بها وأقام فيها
¬__________
(¬1) ترجمة رقم (1) من السفر الثامن.
(¬2) الذيل والتكملة 1/الترجمة 674.
(¬3) صلة الصلة 3/ الترجمة 36.

الصفحة 13