كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة (اسم الجزء: 1)

وقد بدأنا بالشيوخ الذين درَس عليهم بمستقرّه وأخَذ عنهم مباشرةً في بلده مَرّاكش، وحاوَلْنا ترتيبَ هؤلاء بحسَب تواريخ تعلُّمه عليهم التي نَصّ عليها أحيانًا، ثم أتبعناهم بالشيوخ الذين لقيهم وقرأ عليهم في مدن أخرى بالمغرب والأندَلُس، وذكَرْنا في الأخير الشيوخ الذين لم يلقَهم وإنّما أخذ عنهم بالإجازة والمكاتبة، وقد أشرنا إلى الشيوخ الذين كان لهم أثر بارز في تكوين ابن عبد الملك العلمي بكيفيّةٍ خاصّة أو عامة.

1 - من شيوخ ابن عبد الملك في المرحلة الأولى من مراحل تعليمه: أبو زكريّا يحيى بن أحمد بن عتيق (¬1)، وقد قرأ عليه مدّة من الزمن بمدينة مَرّاكش حوالَيْ سنة 655 هـ وبعدها، أى: منذ كان في السادسةَ عشْرةَ من عمره، تلا عليه القرآن الكريم بالقراءات السبع، وقرأ عليه "حماسةَ" أبي تَمَّام، وكان يشارك في حلقة هذا الدّرس من هم أسنُّ منه بأزيدَ من عشْر سنين (¬2)، كما درَس عليه النَّحويّ كتاب "الجُمَل" للزّجّاجي ثم في "الكتاب" لسيبويه على ما نظُنّ. فقد ذكر ابن عبد الملك في ترجمة ابن خَرُوف النَّحويّ شارح "الجُمَل" و"الكتاب" أنّ أَبا زكريا بن عتيق ممّن حدّثه عن المذكور، ونقل ما يلي: "وقال لي شيخُنا أبو زكريا بن عتيق: كان (أى: ابنُ خَروف) شديد الضّجر عند تتبّع البحث معه، والمساءلة له، فعهدي به مراتٍ إذا ضويق في المجلس يأخُذ قُرْقَيه ويقوم من مجلسه دون سلام ولا كلام، ويتَخطّى ما يقابله من الحلقة، ثم يرُدُّ وجهَه إلى الطلبة ويقول لهم: ما أراكم عزمتم على إكمال قراءة "الكتاب" ما أخذتم أنفسَكم بهذه المآخذ، أو نحو هذا من القول، ثم ينصرف" (¬3).
ونعُدُّ هذا الشيخ من شيوخ ابن عبد الملك الأوّلين اعتمادًا على سنِّه يومئذ من جهة وعلى مقروئه عليه من جهة ثانية، فزيادةً على تلاوة القرآن الكريم كان
¬__________
(¬1) الذيل والتكملة 1/الترجمة 28.
(¬2) المصدر نفسه.
(¬3) المصدر نفسه 5/الترجمة 635، والقرق: خف يشبه الصندل.

الصفحة 15