كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة (اسم الجزء: 1)

له خصوصية بهذا الشيخ وملازمةٌ له، ولم تكنْ صلته به مقتصرة على حلقة درسِه، وإنّما كان يسايره ويذاكره خارج الحلقة ويجالسه في دُكّانه الذي كان يتَصدّى فيه لعقد الشروط (¬1).
ولعل ابن عبد الملك كان الراويةَ الأول لشعر هذا الشيخ الشَّاعر المكثر، قال: "أنشدني من شعره ما لا أحصيه كثرة، وشاهدت من ارتجاله إياه وسرعة بديهته ما أقضي منه العجب، وسمعته يقول غيرَ مرة: لو شئت أن لا أتكلّم في حاجة تعرِض لي مع أحد وأحاوره إلا بكلام منظوم لفعلت غيرَ متكلِّف ذلك" (¬2)، وهذا شبيه بما يُروى عن أبي العتاهية، وبما سيرد في الكلام على شيخ المؤلف ابن المرحّل، ولم يبقَ من هذا الشعر الغزير الذي كان يحفَظُ بعضه ويلهَجُ بذكره أدباءُ إشبيلية (¬3) وشعراؤها إلا أقلُّ القليل. هذا, ولا بد أنّ ابن عبد الملك تأثر بشيخه المذكور في صناعة الترسيل التي كان من المبرِّزين فيها، والمؤدبين بها، وله فيها كتاب أسماه "تشبيبَ الإبريز" وصل إلينا بعضه (¬4).
بدأت صحبةُ ابن عبد الملك لشيخه البَلَوي حوالَيْ سنة 650 هـ, واستمرّت حتَّى وفاة الشيخ سنة 657 هـ، ويقُصُّ علينا ابنُ عبد الملك من ذكريات هذا الشيخ في آخر أيامه ما يلي: "وكان رحمه الله كثيرًا ما يقول وسمعته غير مرة منه: إنّ من أكبر أمنياتي على الله أن أعمَّر عُمرَ أبي، ويقول: إن أباه تُوفِّي ابنَ اثنين وثمانين عامًا، فلما كان منتصَفُ جُمادى الأخرى من عام وفاته أقبل إلى دُكّانه الذي كان يتصدى فيه لعقد الشروط، فصَعِد إليه وقعد منه بموضعه المعلوم له، واستعبر طويلًا وأنا حاضر ثم قال: اليومَ بلغتُ من السنّ ما كنت أتمنى على
¬__________
(¬1) الذيل والتكملة 1/الترجمة 674.
(¬2) المصدر نفسه.
(¬3) اختصار القدح: 120.
(¬4) الذيل والتكملة 1/الترجمة 674 ويوجد قسم من تشبيب الإبريز بالخزانة الحسنية بالرباط.

الصفحة 17