كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة (اسم الجزء: 1)

الله أن يُعمِّرَنيه، فأنا اليوم ابنُ ثنتين وثمانين سنة. ثم عاش بعد ذلك شهرين وعشرين يومًا" (¬1).
كما وَصف الحِرمانَ الذي ابتُلي به، والفاقةَ التي ألحَّت عليه في آخر حياته فقال: "وأدركتْهُ في آخِر حياته فاقة شديدة اضطر من أجلها إلى الانتقال إلى حاحة -من أعمال مَرّاكُش وبواديها القريبة منها على نحو أربع مراحل منها- لتعليم العربية بعضَ بني أحد رؤساء البربر بها فأقام عنده نحوَ سبعة أشهر، وعاد إلى مَرّاكُش ببعض ما أسدَى إليه ذلك الرئيسُ أيام مقامه عنده وكان نَزْرًا أجرى منه ما أقام أوَدَه على تقتير مدة قصيرة فنفِدَ، وأرى ذلك كان في سنة ثلاث وخمسين أو نحوها، وبقي في حال ضعيفة يرتزق من عائد إليه في عقد الشروط لم يكن يفي بأقلِّ مُؤنة، حتَّى قيَّض الله له وصولَ الواعظ أبي عبد الله بن أبي بكر ابن رشيد البغداديِّ، المذكور في موضعه من الغرباء في هذا المجموع، فتعرَّف به وتحقق فضله فصيَّره في كفالته وقام به أحسنَ قيام، جزاه الله أفضل جزائه. وكان ذلك من أقبح ما جرت به الأقدار من موجِبات النقد على صنفه وجيرانه من المنتمينَ إلى العلم والمرتسِمينَ به وغيرهم من رؤساء حضرة مَرّاكُش، فقد كان الجارَ الجُنُبَ لشيخنا أبي الحسن الرُّعيني رحمه الله، لا يفصل بين داريهما دار أحد من خلق الله، وشيخُنا أبو الحسن هذا أوفرُ أهل الحضرة مالًا وأعظمُهم جاهًا، وهو بلديُّه، وقد انتفع به كثيرًا في طريقته التي بها رَأَسَ وبالاستعمال فيها شُهر، وهي الكتابة عن السلاطين، فلم تجرِ له على يده قطُّ منفعة ولا نال من قِبَلِه ولا بسببه فائدة. فإنّا لله وإنا إليه راجعون" (¬2).
وقد ولي هذا الشيخُ المحروم خُطّة الكتابة عن عدد من "السادة" الموحِّدين الولاة بالأندلس، وخُطة العدالة، والتدريس، وخدم بتآليفه بعض ذوي النفوذ
¬__________
(¬1) الذيل والتكملة 1/الترجمة 674.
(¬2) المصدر نفسه.

الصفحة 18