كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة (اسم الجزء: 1)

في عصره، مثل نقيب الطلبة العراقي والمشرف ابن سُهَيل، كما أخذ بضَبُعه الكاتبُ ابن عَيّاش، والواعظ ابن رشيد، ولا بدّ أنّ تلميذه ابن عبد الملك كان يرعى حقوقه، ولكنّ حِرفةَ الأدب أدركت هذا الشيخَ الأديب، فحالفه الحِرمانُ، سواء في حياته بإشبيلية كما ذكر ابن سعيد وقَسَا عليه، أو في أيامه بمَرّاكش كما وصف ابنُ عبد الملك ورَثَى لحالِه، وانتقد أهل عصره ومنهم شيخه الرُّعيني.

3 - يُعتبر الرُّعينيُّ المذكور أبرزَ شيوخ ابن عبد الملك وأكثرَهم ورودًا في كتابه، فقد ذكره أكثر من ستينَ مرة في الأسفار الباقية، ونقل عنه فوائدَ كثيرة، وروى من طريقه أحاديثَ عديدة، وأنشد بواسطته إنشاداتٍ مختلفة، مما تضمَّنه برنامَجُ الشيخ ومن غيره، ويكاد محتوى برنامج الرُّعينيِّ كله أن يكون مبثوثًا في "الذّيل والتكملة".
وقد استقرَّ الرّعينيّ بمَرّاكُش ابتداءً من سنة 640 هـ، حيث ولي الكتابة على التوالي عن الخلفاء الموحّدين: الرّشيد والسَّعيد والمُرتضَى والواثق آخِرِهم. ولا شكّ أنه كان على جانب كبير من المداراة حتَّى استطاع أن يحتفظ بمنصبه في دار الخلافة طوالَ هذه الحِقبة المضطربة، وغدا "أوفرَ أهل الحضرة مالًا وأعظمَهم جاهًا" كما يقول تلميذه، وكان قد كتب في الأندلس لمختلف الأمراء والمُتأمِّرين في قُرطُبة وإشبيلِيَةَ حتَّى ضَياعِهما ثم بغَرناطة، وأوى بعد ذلك إلى حضرة مَرّاكش مُدْليًا بصناعته في الكتابة الدّيوانية حينما لم يبقَ في الأندلس ذِماء، ونُشدانًا للأمان، من ريب الزمان.
ولم نقفْ في الأسفار الموجودة من "الذّيل" على تاريخ اتّصال ابن عبد الملك بالرُّعيني، ولا بدّ أنه اتّصل به قبل 650 هـ، أى: حينما أصبح في مستوى الدراسة وسن الرواية, وقد "صَحِبه كثيرًا" أى: منذ التاريخ المفترض حتى وفاته سنة 666 هـ وأصبح تلميذه الأثير لديه، وكان الرُّعّيْنيُّ يدعوه "صاحبي ومحلَّ ابني"، وقد دَرَس عليه مختلَف العلوم التي يشير إليها برنامَجُه، ومنها: القراءات، وعلوم القرآن والحديث الذي أصبح فيه هذا الشيخ أعلى شيوخ ابن عبد الملك في

الصفحة 19