كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة (اسم الجزء: 1)

الإِسلاميّ يعقدُ فيها مجالسَ الوعظ، ووَرَدَ مَرّاكُش في وَسَط سنة 652 هـ، قال ابن عبد الملك: "لقيتُه وجالسته كثيرًا، وسمعت وعظه، وكان لا يكاد يُفْقَهُ (بالبناء للمجهول) ما يقول؛ لإفراط عُجْمةٍ كانت في لسانه فلا يفهَمُه إلا من ألِفَه، وكان أصمَّ لا يكاد يسمع شيئًا"، ثم يذكر أنه كان "آية من آيات الله في كثرة الحفظ وحضور الذِّكر وحَشْد الأقوال فيما يجري بمجلسه الوَعْظيِّ أو يحاضِر به في غيره، سريعَ الإنشاء ناظمًا وناثرًا مع الإحسان في الطريقتين، جيّد الخط والكَتْب على كَبْرته"، وقال في معرِض حفظه: "وأخبرني أنه عرض -وهو ابن عشرين عامًا- على أبي الفرج الجَوْزي كتابه "المنتخَب" عن ظهر قلبٍ ببغداد" (¬1).

21 - وأشهرُ هؤلاء الشيوخ الوُعّاظ الذين لقيَهم صاحبُنا بمَرّاكُش وتأثر، بشكل ما، بمنزِعهم: ابن رشيد البغداديُّ، صاحبُ الوتَرِيّاتِ المشهورة، ويرجِع الفضل لابن عبد الملك في حفظ ترجمته الموسَّعة، وكان قدومه على مَرّاكُش سنة 655 هـ، واحتفل به الخاصّة والعامة فيها، وامتدحه بعض أدبائها، ومنهم أحد الأمراء الموحِّدين وتوفر له فيها من الخيرات ما أفاء به على من أوى إلى كنفه من بعض أهل العلم المحرومين.
وقد تحدَّث المؤلّف عن صلته به وصِفةِ مجالس وعظه فقال: "سمعت منه كثيرًا، وجالسته طويلًا، وحاضرته، وذاكرته، ورزقت منه قبولًا كثيرًا ولزمت شهود مجالس وعظه، وكانت القلوب تنفعل كثيرًا لكلامه وترِقّ لموعظته، وتتأثر لتذكيره، وكان أغزر النَّاس دمعًا إذا رَقِيَ مِنبر وعظه لا يتمالك أن يُرسل دموعه، فيؤثّر عند الحاضرين من الخشوع والخشية وسكب الدموع ما لا مزيد عليه"، ثم يوازن -فيما يظهر- بينه وبين بعض الوُعّاظ المغاربة -ومعظمهم من المكفوفين- الذين كانوا يعتمدون على غيرهم في تحبير خطبهم وقصائدهم الوعظية مثل الواعظ ابن الحَجّاج والواعظ ابن أبي خرص، فيقول: "وكان يتولى إنشاء خطبه
¬__________
(¬1) الترجمة رقم (121) من السفر الثامن.

الصفحة 29