كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة (اسم الجزء: 1)

وقد توقَّف ابن عبد الملك بفاسَ في جُمادى الأخرى سنة 699 هـ وهو في طريقِه إلى تِلِمسان للالتحاق بمحلّة السلطان يوسُف بن يعقوبَ بن عبد الحق.
واقتنى في خلال هذه الزيارة بعضَ المؤلَّفات النفيسة، ومنها: كتابُ "عِبرة العِبَر وعجائبُ القَدَر في ذكْر الفتن الأندَلُسيّة والعُدْويّة بعدَ فساد الدولة المُرابطيّة" بخطِّ مؤلِّفه الأديب التاريخيِّ أبي عامر السالمي (¬1).
ونحسَبُ أنّ صلةَ ابن عبد الملك بفاسَ أو سمعُ من هذا الذي وجدناه، ومعَ أنه فتح عينيه على مَرّاكُش وهي حاضرةُ الغرب الإِسلامي وعاصمة الإمبراطوريّة الموحِّدية، وشاهَدَ بقايا أمجادِها، فقد كان يعرف لفاسَ حقَّها ويَقدُرُها قَدْرَها، قال أحد المؤرِّخين، ولعله صالحُ بن عبد الحليم: "وقد سمعتُ الشّيخَ الفقيه قاضيَ الجماعة العالِم الراويةَ المحدِّث الباحث المحقِّق أَبا عبد الله بن عبد الملك رحمه الله يقول: كان بفاسَ من الفقهاء الأعلام، الأجِلة أعيان الأنام، ما ليس في غيرها من بلدان الإِسلام؛ إذ هي قاعدة المغرب، ودار العلم والأدب، لكنّ أهلها أهملوا ذكْرَ محاسنِ علمائهم، وأغفَلوا تخليدَ مفاخر فقهائهم" (¬2).
ورحل ابن عبد الملك إلى سَبْتةَ التي كانت في عصره تعُجُّ بالعلماء وتغُصُّ بحلقات الدّروس المختلفة، وقد أوى إليها عددٌ من أعلام الأندلس الذين ضاعت بلدانهم في شرق الأندلس وغربها، كما وَفَد عليها عددٌ آخرُ من أهل العُدوة، ويخيَّلُ لمن يتصفّح أسماءهم أنَّهم بَلَغوا من كثرة العدد مبلغًا لم تكن تتّسع له، ولذلك كانوا يرحَلون بعد قضاءِ مدة فيها إلى جهات أخرى في داخل المغرب أو إلى بِجَاية وتونُس أو إلى المشرق.
ولم يقيِّد ابن عبد الملك تاريخَ رحلته إلى سَبْتة في المرّات التي أشار إليها في كتابه بتاريخ مضبوط، وإنّما ذكر مرّةً أنها كانت بمناسبة رحلته إلى الأندلس،
¬__________
(¬1) الذيل والتكملة 6/ الترجمته 40.
(¬2) مفاخر البربر: 76.

الصفحة 36