كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة (اسم الجزء: 1)

بقوله: "أنشَدني شيخُنا أبو الحَكَم مالك بن عبد الرّحمن المالَقيُّ، عَفَا اللهُ عنه، بسَبْتةَ، حرَسَها الله، لنفسه وكتب لي بخطه في هذا المعنى (ما قيل في مثال النَّعل) ووَطّأ له بمَدْحِه - صلى الله عليه وسلم -، ثم ساقها وهي من خمسة وثلاثين بيتًا، ومهّد للثانية بقوله: "وأنشدني أَيضًا بسَبْتةَ حرسها اللهُ تعالى لنفسه في المعنى، وكتبه لي بخطه"، ثم سرَدَها، وهي من خمسة عشر بيتًا (¬1)، وقد استجادهما جُملةً، وتعقّب بالانتقاد بعضَ ما فيهما من عيوب القافية واللغة حسَبَ رأيه، ورَدَّ عليه في هذا معاصرُه وصاحبه ابن رشيد السَّبْتيُّ كما سنعرضُ لذلك فيما بعد، وقد نقفُ عند قول ابن عبد الملك في نسبته شيخَه هذا مالَقيًّا لا سَبْتيًّا، وهذا من تحرّيه وإنصافه، وخضوعه التامِّ لشرْط كتابه، وتطبيقه المنهجيِّ للمصطلح الذي سار عليه مؤلفو "الصِّلات" من ابن الفَرَضيّ ومَن تبِعَه، حيث إنهم ينسُبُون الشخصَ إلى البلد الذي وُلد فيه لا إلى مُهاجَرِه ومستقَرِّه، كما تستوقفُنا عبارة "عَفَا اللهُ عنه"، فهي -زيادةً على دلالتها أنه كان حيًّا وقتَ تحرير ما كتبه المؤلّف- قد تشيرُ بطرف خفيٍّ إلى مُهاتراته معَ بعض معاصريه، ومهما يكنْ فإنّ شاختَه لابن عبد الملك لم تمنَعْه من مراجعته ومناقشته، وقد رَوى عنه توجيهًا دقيقًا وغريبًا في اسم "حَوْط الله" ثم عقَّب عليه بقوله: "هذا ما تلقّيتُه من شيخنا أبي الحَكم في أصل هذا الاسم، ويأباه كَتْبُ هؤلاءِ إياه: حَوْطَ الله، ونَقْلُهم ذلك خَلَفًا عن سَلَف" (¬2).
وقد وَصَف إكثارَه في النظم وانشغالَه به فقال: "كان مكثرًا من النظم مجيدًا سريعَ البديهة، مستغرقَ الفكرة في قَرْضِه، لا يفتُرُ عنه حينًا من ليل أو نهار. شاهدت ذلك وأخبرني أنه داءٌ به، وأنه لا يقدر على صَرْفه عن خاطره، وإخلاء بالِه من الخوض فيه، حتى كان من كلامه في ذلك أنه مرضٌ من الأمراض المزمنة"، ثم تحدّث عن ذُيوع شعره وسَيْرورةِ نظمِه قائلًا: "واشتُهر نظمُه وذاع شعره، فكَلِفَت
¬__________
(¬1) الذيل والتكملة 1/الترجمة 419.
(¬2) المصدر نفسه 1/الترجمة 221.

الصفحة 38