كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة (اسم الجزء: 1)

تأريخيًّا حافظًا" (¬1). وذكَرَ أنه -وهو الأكمَهُ- كان يخترقُ أزِقّةَ سَبْتة وشوارعَها ورَبَضها وحدَه ويستطيع بحَدْسِه فقط تمييزَ معالمها وخططها، قال: "وأُخبرت عنه بعجائبَ أغربَ من هذا النّمط". ولا بدّ أنّ المؤلّف استفاد منه على الخصوص ما يتعلّق بالتاريخ الذي كان ابنُ عبد الملك لا يفتُرُ عن التنقيب فيه، وهو يتّفق مع ابن الزُّبير والتُّجِيبيِّ (¬2) في وَصْف هذا الشيخ بالتأريخيّ، ولم يكن التاريخُ هو كلَّ بضاعته، فقد كان يدرِّس الحديثَ والفقه والأصول والنّحو والصّرف والعَروض، واشتُهر بتدريسه كتابَ "علوم الحديث" لابن الصّلاح الذي رواه عن مؤلّفه في دمشق سنة 634 هـ صُحبةَ أبي مَرْوان الباجِيّ، وقد صار الأصلُ الذي سَمِعا فيه على المحدِّث الدِّمشقيِّ الكبير إلى مُلكيّة ابن عبد الملك. قال: "هذا الأصلُ الذي سمع فيه قد صار إليّ والحمدُ لله وفيه خطُّ ابن الصّلاح بتصحيح التَّسْميع، وقد تضمَّن إذْنَه في روايته عنه لكلِّ من حصّل منه نُسخة، فانتَسَخ منه جماعةٌ من جِلة أهل العلم ونُبلائهم، منهم: أبو الحَسَن الشارِّيُّ، وأبو عَمْرو عثمانُ ابن الحاجّ وأبو القاسم أحمدُ بن نبيل وغيرُهم، ونسخت منه نسخة لبعض الأصحاب لأمرٍ اقتضى ذلك لم يسَعْ خلافه" (¬3).

37 - وثمّة سَبْتيٌّ يبدو أنّ ابن عبد الملك أخَذ عنه في سَبْتة وهو: محمد بن إبراهيمَ بن يَرْبوع السَّبْتي المتوفَّى في سنة 694 هـ، وقد عَدّه من شيوخه في ترجمة عِمران بن موسى الهوّاريِّ السَّلويّ، كان طلبةُ العلم يرحَلون رغبةً في الاستزادة منه إلى الأندَلس والمشرق.
وجَرْيًا على التقليد المألوف رحَل ابن عبد الملك إلى الأندلس، ويُخبرنا النباهيُّ عن هذه الرحلة حكايةً عن محمد ولد ابن عبد الملك، قال: "وحَكَى ولدُه المذكورُ أنه قصدَ أيام شبيبتِه عبورَ البحر برَسْم الجواز إلى الأندلس، فبلغ منها
¬__________
(¬1) انظر ترجمته في السفر الثامن رقم (139).
(¬2) برنامج التجيبي: 274، وصلة الصلة 3/الترجمة 34.
(¬3) الذيل والتكملة 5/الترجمة 1298.

الصفحة 42