كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة (اسم الجزء: 1)

الجزيرةَ الخضراء، وحضر بها صلاةَ جُمُعةٍ واحدة وأقام بها ثلاثةَ أيام جائلًا في نواحيها آخذًا عن أهلها، ثم قال: حصَلَ لنا الغرَضُ من مشاهدة بعض البلاد الأندلسيّة والكونِ بها، والحمدُ لله على ذلك، وعاد قافلًا إلى أرضه" (¬1). وكأنّي بابن عبد الملك وهو الناعي على المغاربة إهمالهَم وتقصيرَهم في تاريخ أعلامهم، والعارفُ باصطلاح مؤلفي "الصِّلات" الأندَلُسيِّين ومقلِّديهم من المغاربة، كابن فَرْتُون، أراد بهذه الرحلة الخاطفة المحدودة أن "يَحجُزَ" مكانه و"يضمِّن" ترجمته في "صِلة" من"الصِّلات" التي تؤلَّفُ في الأندلس، فلو لم يقمْ بهذه الرحلة القصيرة لما ظفِر وظفِرنا بهذه الترجمة الجيِّدة التي أثبتَها له شيخُه ابن الزُّبير معَ "الغُرباء" في "صلتِه" حسبما اقتضاه الاصطلاحُ المشار إليه.
واكتفى بزيارة الجزيرة الخَضْراء لقُربها، فيما نظُنُّ؛ لأنّ أُمّهات المدن الأندلسية التي يؤخَذ فيها العلمُ، مثلَ قُرطُبة وإشبيلِيَةَ وبَلَنْسِيَة ومُرْسِيَةَ وغيرِها، كانت قد خرجت من يد المسلمين، وارتحل جُلُّ علمائها إلى المغرب، ولم يزُرْ مالَقةَ وغَرناطة، لحصول غرَضه في الكون ببعض البلاد الأندَلُسية، أو لسببٍ أو أسباب أخرى. واقتَصَر على استجازةِ بعض شيوخ العلم فيهما كما سنبيِّن ذلك.

38 - نجد بعضَ أصداء هذه الرّحلة في الأسفار التي بين أيدينا من "الذّيل والتكملة"، وتسميةً لبعض الشيوخ الذين لقِيَهم في الجزيرة الخضراء وزيارة لخزائن خاصّة فيها، وتبركًا بمن يوصَف بالخير والصّلاح من أهلها، قال في ترجمة ابن خَميس المتوفَّى سنة 688 هـ: "رَوى عنه ابنُه أبو جعفرٍ وأصحابُنا: قريبُه أبو بكر بن محمد القللوسيُّ وأبو إسحاق بن أحمدَ بن عليّ التُّجِيبيّ وأبو عبد الله بن عُمر بن رَشِيد ولقِيتُه بالجزيرة الخَضْراء وسمِعت منه بعضَ كلامِه، وأجاز لي ولمن أدرَك حياتَه من ولدي، وأدركها منهم: محمدٌ وأحمدُ، كان اللهُ لهما" (¬2). ويُفهَم
¬__________
(¬1) المرقبة العليا: 131 - 132.
(¬2) الذيل والتكملة 6/ الترجمة 806.

الصفحة 43