كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة (اسم الجزء: 1)

من هذا النصِّ أنّ ابنَ عبد الملك كان متزوِّجًا في ذلك التاريخ, كما أنه سمع خُطبة هذا الشّيخ وصَلّى وراءه يومَ الجُمُعة؛ إذ كان الإمامَ الخَطيب بالجامع الأعظم في الجزيرة الخضراء. ويَنقُل ابن عبد الملك عن كتاب "أعلام مالَقة" لابن عَسْكر، الذي أكمله ابن أخته ابن خميس بعد وفاته. وقد يكون تناوَلَه منه، وأتيح له أن يَطّلعَ على مكتبة آلِ عظيمةَ وهم "بيتُ علم بالقراءات واشتغال بها وانقطاع إليها، وإقراء وتجويد"، قال: "وقد وقفتُ بالجزيرة الخضراء عند صاحبنا الوَرِع الفاضل أبي عَمْرو عَيّاش بن الطُّفَيْل هذا المترجَم به على جُملةٍ وافرة من كتب سَلَفِه مما تملّكوه أو كتبوه أو ألّفه مؤلِّفوه ... " (¬1).
كان ابنُ عبد الملك من كبار هُواة الكُتب والحصُول على نفائسها بالخصوص؛ ولهذا نجدُه يسعى عند دخول بلد من البلدان إلى البحث عما فيه من مكتبات، ومن هنا تيسَّر له الوقوفُ على كمّ هائل من الكتب ما نظُنُّ أحدًا من معاصريه يُضاهيه فيه، ولقد وجدناه يشُدُّ الرِّحال للتنقيب عنها في حواضر المغرب وبَواديه، فقد زار حاحةَ بلدَ صاحبه العَبْدَريّ مؤلّف الرحلة المعروفة، كما زار بلد درعةَ فيما يبدو، جاء في ترجمة أبي الحَسَن ابن النّعمة عند ذكر تفسيره الضخم "ريِّ الظّمآن في تفسير القرآن" ما يأتي: "وكان كاملًا عند بعض الطلبة بدرعةَ في سبعةٍ وخمسينَ مجلّدًا متوسطة، بعضها -وفيه: أولُها- بخطّ تلميذه الأخصّ به أبي جعفر بن عَوْن الله، وأكثرها -ومنه آخِرُها- بخطّ أبي عبد الله محمد بن أبي الحَسَنُ محمد بن عبد العزيز بن واجب، وتاريخُ فراغِه من نَسْخه مُنسَلَخ جُمادى الآخِرة سنة سبع وستينَ وخمس مئة" (¬2).
وممّا يتّصلُ بمقامه القصير في الجزيرة الخضراء الذي لم يتجاوزْ ثلاثةَ أيام حسَبَ الرواية السابقة ما ذكَرَه في ترجمة أبي الحَسَن السُّماتيّ الشَّرِيشيّ،
¬__________
(¬1) الذيل والتكملة 4/الترجمة 295.
(¬2) المصدر نفسه 5/الترجمة 455.

الصفحة 44