كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة (اسم الجزء: 1)
ونشرِه، انفرَدَ بذلك في بلده قاعدةِ جزيرة الأندلس وصارت الرحلة إليه" (¬1). ويتابع ابن عبد الملك حديثَه عنه مسجّلًا رأيه فيه فيقول: "وهو من أهل التجويد والإتقان، عارفٌ بالقراءات حافظٌ للحديث مميّز لصحيحِه من سقيمِه، ذاكرٌ لرجاله وتواريخهم متّسع الرواية عُنِيَ بها كثيرًا، ورَحلَ بسببِها إلى سَبْتةَ وإلى كثير من بلاد الأندَلس وصنَّف في كثير من المعارف التي عُني بها" (¬2). وقد ذكَرَ انتقادَ بعض أهل مصره لمصنَّفاته ولا سيّما أُرجوزتُه في المذهب الشّوذي الصُّوفي الحَلّاجيِّ المنزع، ووافقهم على انتقاد الأُرجوزة لرداءة نظمها وخلوّها من المعنى، وقال: "ولقد كان الأولى به أن لا يتعرَّض لنظمها، فإنه منحَطّ الطبقة في النظم". وكرَّر هذا الكلامَ بعبارة أقوى لَذْعًا ممّا هنا، وذلك بمناسبة إشارته إلى رَجَزه المذكور فقال: "ولقد كان في غنًى عن التعرُّض لنظمه وأولى الناس بسَتْر عاره منه، والله يُبقي علينا عقولَنا، ويرشدُنا إلى ما يُرضيه عنّا بفضله وكرمه" (¬3). وانتقد كذلك كتابَه "رَدْعَ الجاهل" في الردّ على المذهب المذكور أَيضًا قائلَا: إنه "أقلُّ شيء فائدةً وأبعدُه عن النفْع بعلم"، وانصَبّ انتقاده لهذا الكتاب على الشكل والمضمون معًا، حيث واخَذَ ابنَ الزُّبير بالتساهل في الاستعمال وقال: إنه -حسَبَ قولِ أصحاب ذلك المذهب- لم يَفهَم منه شيئًا, ولا يتلاقى كلامُه فيه معَ كلامِهم في وِرْد ولا صَدَر. ولا نتّهمُ ابنَ عبد الملك هنا بالتحامل، إذ رأيُه في الشّيخ ما سُقناه، ورَعْيُه له -على البُعد- تشهدُ به هذه الكلمات: "وانجرَّت إليه مُطالَباتٌ أصلُها الحسَد الذي لا يكاد يسلَمُ منه إلا من عَصَمَه الله من غائلتِه وسُوء مغَبّته أدّته إلى التحوّل عن وطنِه تارات، أو إلى التخامل والانقباض به مرّات، والله ينفعُه ويدافعُ عنه ويُجملُ خلاصَه ويعجِّلُ إنصافَه ممن كاده، ويصرفُ عنه
¬__________
(¬1) الذيل والتكملة 1/الترجمة 31.
(¬2) المصدر نفسه.
(¬3) المصدر نفسه 6/الترجمة 1178.
الصفحة 46
784