كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة (اسم الجزء: 1)
مَن بسوءٍ أراده" (¬1). على أنّنا لا ننفي أن مِزاجَ ابن عبد الملك الحادَّ يدفعُه إلى شيء من الغلوّ في الانتقاد، فالأثران المذكوران لابن الزُّبير في الشوذية على الرغم مما قيل فيهما كانا يؤلِّفانِ -لو وَصَلا إلينا- وثيقتينِ تاريخيّتينِ مهما تكنْ طبيعتُهما - حول هذه النّزعة الصُّوفية القائمة على مبدإ وحدة الوجود، والتي وصلَ بعضُ أصحابها إلى الحُكم وأثّر أحدُ أقطابها على ذوي السّلطان وانتشر أتباعُها في المغربِ والمشرق، وخَلّفوا تراثًا كثُر حوله الجدال.
وقد خالَفَ ابنُ الخَطيب ابنَ عبد الملك في رأيه وتقويمه لكتاب "رَدْع الجاهل"؛ إذْ وَصَفَه بأنه: "كتابٌ جليل ينبئُ عن التفنُّن والاطّلاع" (¬2)، ولكنه ذكَرَ من كُتُبِه التي لم تصلْ إلى ابن عبد الملك "كتاب الزّمان والمكان" ثم قال: "وهو وَصْمة، تجاوَزَ اللهُ عنه" (¬3). وأوجَزَ ابن عبد الملك رأيَه في بقيّة ما سمّاه من مؤلَّفات ابن الزُّبير فقال: "فأما سائرُ ما اطّلعتُ عليه من تصانيفه ففيها ما في كلام الناس من مقبولٍ ومردود"، وله تعقيبات عليه في "الصِّلة" منثورةٌ في "الذّيل والتكملة" سنعرِض لها فيما بعد.
نقَلْنا في أول هذه الدراسة بعضَ كلام ابن الزُّبير في ابن عبد الملك ممّا يشهَدُ بنجابتِه وفائق نباهتِه وذكائه، ونسوقُ هنا رأيه في معارفه: قال: "كان، رحمه الله، نبيلَ الأغراض عارفًا بالتاريخ والأسانيد، نَقّادًا لها، حسَنَ التهَدِّي، جيّد التصرُّف وإن قَلَّ سماعُه، أديبًا بارعًا شاعرًا مجُيدًا؛ امتَدح بعض كُبراءِ وقته وكان معَ نقده الإسنادي ذا معرفة بالعربية واللغة والعروض ومشاركة في الفقه. وما تقدمت الإشارةُ إليه من معارفه أغلبُ عليه" (¬4).
¬__________
(¬1) الذيل والتكملة 6/الترجمة 1178، ويشير ابن عبد الملك إلى محنة ابن الزُّبير وهي مشروحة في كتاب الإحاطة 1/ 191 - 192.
(¬2) الإحاطة 1/ 190.
(¬3) المصدر نفسه.
(¬4) صلة الصلة 3/الترجمة 36.
الصفحة 47
784