كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة (اسم الجزء: 1)
ترجمة الشَّاعر ابن المُرحَّل وما أورده من شعره، وما تعقَّبه عليه فيه، فدفعته حَمِيّةُ البلديّة إلى الردِّ العنيف عليه والانتصار لابن المُرحَّل الذي كان شيخًا لكليهما معَ أنّ ابنَ عبد الملك ناقَشَ شعرَ شيخه بأدب وذكَرَ له محاسنَه وسمَحَ لنفسه بمراجعته حسَب اجتهاده، ولا عيبَ في هذا ولا عَتْبَ على ابن عبد الملك فيما نرى، ولا داعيَ لأنْ تَثُورَ ثائرةُ ابن رشيد على صاحبِه ويفورَ غضَبُه فيَخرُجَ عن حدِّ التعقيب الرَّزين الرَّصين إلى حدّ التعريض المَعِيب والتصريح المَشِين، ولكنّها المعاصرةُ ومنافساتُها الخفِيّة وخَلفيّاتُها المحجوبة وحساسيّاتُها المستورة. وقد يَحسُنُ بنا أن نوردَ نصُوصَ الموضوع؛ لنُشرك القارئَ فيه ولتتضّحَ له معالمُه:
أنشَد ابن عبد الملك قصيدةً لابن المُرحَّل مطلَعُها [من الطويل]:
بوَصْفِ حبيبي طرَّزَ الشّعرَ ناظمُهْ ... ونَمْنَم خدَّ الطِّرس بالنَّقْش راقمُهْ
واستجادها في الجُملة ثم تعقَّبها، قال: "وفي هذه القصيدة -على ما بها من إجادة- تعقُّبٌ من وجوه، منها: التضمينُ وهو من عيوبِ النظم، وذلك في قوله: وممّا دعاني ... ، والبيتِ الذي بعده، ومنها: الإيطاء في "صوارمُهْ" في بيتين بينهما بيتان، ومنها: إعادةُ ضمير "نواسمُهْ" وهو مذكَّر على الأرض وهي مؤنثة على إرادة التذكير بتأويل المكان أو المحلّ أو شبههما أو إعادته على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بأدنى نسبة، كلُّ ذلك تكلّف بعيدُ المتناول ... ". وقد نقَلَ ابن رُشَيْد في رحلته هذا التعقيبَ ورَدّ عليه بما يلي: "هذا ما قاله صاحبنا جَرْيًا على عادته -عفا الله عنه- من انتقاصِ الأفاضل، واعتساف المجاهل، وتَرْك الصافي الزُّلال وورود الكدَر والعَكَر من المناهل، وكل ما قاله فاسد، والنقد عليه عائد. أما هذا التضمين الذي ادّعى أنه عيب فليس بهذا، وإنّما العيبُ الذي ترجَمَ له أهلُ القوافي هو ما كان بين القافية وصَدْر البيت الذي يليها، كقوله:
........................... ... وهم أصحابُ يوم عكاظَ إنّي
شهدت لهم مواطنَ صادقاتٍ ... .......................
الصفحة 59
784