كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة (اسم الجزء: 1)

ولمّا قرأ ابنُ رُشيد هذا الكلامَ عقب عليه بقوله: "ولمّا أنشَد القاضي محمد بن عبد الملك المَرّاكُشيُّ هذه القصيدةَ الطائيّةَ بعدَ قوله: أنشَدنيها ناظمُها، أتبَعَ ذلك بالاعتراض جَرْيًا على عادته التي وافقَها، وأبي أن يُفارقَها، حتى عادت له طبعًا، وقَرَع بجِوار غَرْبِه من صليبِ عودِها نبعًا، فقال عفا اللهُ عنه"، ثم نقَل ما انتقدَ به ابنُ عبد الملك قصيدةَ ابن المُرحَّل هنا، وقال: "وهذه الاعتراضاتُ كلُّها ساقطة، ولكنْ ليس لها لاقطة، فأمّا الأول، وهو قوله: منها: استعمالُ "أم" مكان "أو" في قوله: "أم خَطُّ"؛ فتلك شَكاةٌ ظاهرٌ عوارُها، وعليه عارُها، فإنّ ناظمَه إنّما قاله بأو وكذلك أنشَده لنا، وإنما ابن عبد الملك كتبَه بأمْ بخطِّه. وأمّا الثاني، وهو قوله: إنه كرَّر سِمطُ وسَقطُ وذلك ضِيقُ عَطَن؛ فهذا لا دَرْك فيه، بل هي طريقة مسلوكةٌ مألوفة، وسبيل في الفصاحة معروفة، وإنّما يُكره ذلك إذا تكرَّر في القافية ولا سيّما وأنّ تكريرَه لسِمْطُ إنّما هو بعد تسعة أبيات، وإذا وقَع مثلُ هذا وبينَهما هذا العددُ لم يكنْ إيطاءً، معَ أنه في الصّدر اشتمل فيه مع سَقْطُ الترصيع دون أن يكون واحدٌ منهما في مِصراع، فيقال: المِصراعُ قد يُشبِهُ العَجُز، وهذا شيءٌ ما تحاماه متّسعُ عَطَن، ولا قدحَ فيه ولا طَعَن، ممّن ظَعَن أو قَطَن، ومع هذا فاستعمالُها في البيت الأول المصرَّع، وفي الثاني المعترَض عنده ليس على حدّ واحد، بل هما مُصَرَّعان في مَهْيَعينِ من الكلام مختلفين، ومما يُعَدُّ من الفاضل لا من المفضول، فإنه استُعمل في البيت الأول من باب تجاهل العارف، وفي البيت المعترَض عند هذا المعترِض من تحقق الواصف، فاستيقِظْ أيها النائمُ إن وافقتَ المعترِض، فقد أدلَجَ الناس. وأمّا الثالثُ، وهو استعمالُ البَسْط في القافية مكان التبسُّط الذي في صَدْر البيت؛ فهذا أَيضًا واهٍ، في حضيض الخمول واهٍ؛ وهل يُنكِرُ عربيٌّ وضعَ المصادر بعضِها في مواضع بعض؟ وأين أَنْتَ عن قولِه تعالى: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} [نوح: 17]؟ ثم مع ذلك إذا اعتُبر معنى البيت اتّجَه فيه مقصِدٌ آخَر؛ وهو أنه لمّا انبسَط في لَذّاته

الصفحة 61