كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة (اسم الجزء: 1)

ومنها:
يُهني الشّريعةَ أن أصبحتَ كافلَها ... فالرُّوحُ أنت لها والسمعُ والبَصرُ
بأمرِكمْ حاطَ سِربُ الدِّين ناصرُهُ ... تُحيي العبادَ وتَحميهم وتنتصرُ
معنى الهُدى عصبةُ التوحيد ظاهرةً ... وأنت لا شَكَّ معناها إذا اعتَبَروا
رمَى بك اللهُ أهلَ الكُفر تُسحِتُهمْ ... وأنت معتضِدٌ بالله منتصرُ
فاللهُ رام وأنت السَّهمُ في يِدِهِ ... والقوسُ طائفةُ التوحيد والوتَرُ
وهي طويلةٌ وإجادتُه فيها ما سَمِعتَ وسِنُّه حينَئذٍ خمسٌ وستونَ سنة، وكان معظمَ عُمُرِه محدودًا لم تُساعدْه الأيامُ بأملٍ إلا فَلَتاتِ قليلة، وأدْرَكَتْهُ آخرَ حياتِه فاقةٌ شديدة اضْطُرَّ من أجْلِها إلى الانتقال إلى حاحةَ من أعمال مَرّاكُش وبَواديها القريبة إليها على نحو أربع مَراحلَ منها لتعليم العربيّة بعضَ بَني أحدِ رؤساءِ البَرْبَر بها، فأقام عندَه نحوَ سبعةِ أشهر وعاد إلى مَرّاكُشَ ببعض ما أسدَى إليه ذلك الرئيسُ أيامَ مقامِه عنده، وكان نَزْرًا أجرَى منه ما أقام أوَدَه على تقتير مدة قصيرة فنَفِدَ، وأرى ذلك كان في سنة ثلاثٍ وخمسينَ أو نحوها، وبقِيَ في حالٍ ضعيفة يَرتزِقُ من عائدٍ إليه في عَقْدِ الشّروط لم يكنْ يَفي بأقلِّ مُؤْنة، حتى قَيَّض اللهُ له وصُولَ الواعِظ أبي عبد الله بن أبي بكر بن رُشَيْد البغداديِّ، المذكور في موضعِه من الغُرباء في هذا المجموع (¬1)، فتعرَّفَ به وتحقَّق فضلَه فصيَّرَه في كفالتِه وقام به أحسَنَ قيام جزَاهُ اللهُ أفضلَ جزائه، وكان ذلك من أقبح ما جرَتْ به الأقدارُ من مُوجِباتِ النَّقْد على صِنفِه وجيرانِه من المنتَمِينَ إلى العلم والمرتَسمِينَ به وغيرِهم من رُؤساءِ حضرةِ مَرّاكُش، فقد كان الجارُ الجُنُبُ لشيخِنا أبي الحَسَن الرُّعينيِّ رحمه الله لا يَفصِلُ بين دارَيْهما دارُ أحدٍ من خَلْق الله، وشيخُنا أبو الحَسَن
¬__________
(¬1) انظر السفر الثامن من هذا الكتاب، ونقلها برمتها صاحب الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام 3/ 152 - 159 وهو صاحب القصائد الوترية وهي مطبوعة، ولها تخميس مطبوع أيضًا. وانظر كذلك مقالة للأستاذ عبد الله كنون فيه منشورة بمجلة البحث العلمي المغربية.

الصفحة 624