كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة (اسم الجزء: 1)

وكان زاهدًا في الدُّنيا مُؤْثِرًا بما في يدَيْه منها مُوسَّعًا عليه في معيشتِه، كثيرَ الكُتُب في كلِّ فنّ من العلوم على تفاريقِها، سَمْحًا لطَلَبةِ العلم بها، رُبّما وَهَبَ منها لمُلتمِسِه الأصلَ النَّفيسَ الذي يعِزُّ وجودُه وتَعظُمُ جَدواه وترتفعُ قيمتُه احتسابًا به وإعانة على التعلُّم، له في ذلك كلِّه أخبار مُنبئةٌ عن فضلِه وكرَم طَبْعِه، وكان كثيرَ الشَّغَف بالعلم والدُّؤوبِ على تقييدِه، على إفراط رَداءة خطِّه ومُداومةِ سَهَر اللّيل من أجلِه، معَ استغراقِ أوقاتِه وحاجاتِ الناس إليه، إذْ كان حسَنَ العلاج في طبِّه، مَوْرود الموضِع لثقتِه ودينِه، إمامَ أهل المغرِب قاطبةً في معرِفة النّبات وتمييزِ الأعشاب وتحليتِها وعِلْم منافعِها ومضارِّها غيرَ مُدافَع عنه ولا مُنازَع فيه، أخَذَه قديمًا عن أبيه وعن جدِّه، وكانا قُدوةً في العلم به، وعن غيرِهما، ثُم جالَ بسببِه الكثيرَ حتى وقَفَ على مَنابتِه وصُوَرِه، ورحَلَ في ذلك إلى جَبَل غَرْناطةَ وغيرِه من بلاد الأندَلُس، وعايَنَ في وِجهتِه المَشْرقيّة كثيرًا ممّا لا يكونُ بالمغرِب منه، وفاوَضَ فيه هنالك كلَّ مَن أمكَنَه ممن يُشهَدُ له بالفَضْل في معرفتِه، ولم يزَلْ باحثًا عن حقائقِه كاشفًا عن غوامضِه حتى وقَفَ منه على ما لم يقفْ عليه غيرُه ممّن تقَدَّم في المِلّة الإسلامية، فصار أوحَدَ عصرِه في ذلك فَرْدًا لا يُجاريه أحدٌ فيه بإجماع من أهل ذلك الشَّأن، وكان له دُكّانٌ متّسعٌ يقعُدُ فيه لبَيعْ الحشائش الطِّبِّيّة والنَّفْع بها.
وله فيما كان ينتحلُه من الفنَّيْنِ تصانيفُ مُفيدةٌ وتنبيهاتٌ نافعة واستدراكاتٌ نبيلةٌ بارعة وتعقُّباتٌ لازمة، منها في الحديثِ ورجاله: "المُعلِم بزوائدِ البخاريِّ على مسلم" و "اختصارُ غرائبِ حديث مالك" جَمْعَ أبي الحَسَن عليّ بن عُمر البغداديّ الدارَقُطني، و "نَظْمُ الدَّراري فيما تفرَّدَ به مسلمٌ عن البخاري"، و "توهينُ طُرُق حديثِ الأربعين" جعَلَه أربعينَ بابًا، و "حُكْمُ الدعاء في أدبارِ الصَّلَوات"، و "كيفيّةُ الأذانِ يومَ الجُمُعة"، و "اختصارُ الكامل في الضُّعَفاءِ والمتروكين" لأبي أحمدَ [بن عدي] (¬1)، و "الحافلُ في تذييل (¬2) الكامل" المذكور،
¬__________
(¬1) ما بين الحاصرتين بياض في النسختين.
(¬2) في ق: "تدليل"، محرفة.

الصفحة 688