كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة (اسم الجزء: 1)

و "أخبارُ محمد بن إسحاق"، ومنها في النبات: شَرْحُه "حشائشَ" دياسقوريدوس و "أدويةَ" جالينوس، والتنبيهُ على أوهام مترجِميها، و "التنبيهُ على أغلاطِ الغافقيِّ في أدويتِه"، إلى غيرِ ذلك من المصنَّفاتِ الجامعة والمقالاتِ المفرَدة والتعاليق المتنوِّعة، وكلُّ ذلك شاهدٌ بتبريزِه وجَوْدةِ إدراكِه في جميع ما كان يتولّاه من ذلك.
وعلى الجملة، فإنه كان من حَسناتِ الدّهر التي قلّما يسمَحُ بمثلِها رحمه الله، وبَلَغَني أنّ تلميذَه الأخصَّ به الناقدَ المحدّث الأنْبلَ أبا محمد بنَ قاسم الحَرّارَ تهمَّمَ بجَمْع أخبارِه وعُني بحَشْدِ مآثرِه وآثارِه وضمَّنها مجموعًا له نبيلًا لم أقفْ عليه، وفيما ذكَرْتُه من أحوالِه نُبذةٌ صالحة.
مَوْلدُه في محرَّم إحدى وستينَ وخمس مئة، وتوفِّي بإشبيلِيَةَ عند مَغِيب الشّفَق من ليلة الاثنينِ مستَهلِّ ربيعٍ الأخير، وقال ابنُه أبو النُّور: مُنسلَخَ ربيعٍ الأوّل، وقال أبو جعفر ابنُ الزُّبير: توفِّي فُجاءة بين الظُّهر والعصر من يومِ الأحد المُوفي ثلاثينَ من ربيعٍ الأوّل، واتَّفَقوا أنّ ذلك كان سنةَ سبع وثلاثين وست مئة. ورَثاه صديقُه القاضي الحسِيبُ الأديب أبو أُمَيّةَ إسماعيلُ بن سَعْدِ السُّعود بن عُفَيْر الآتي ذكْرُه في موضعِه من هذا المجموع إن شاء الله (¬1)، بقصيدةٍ فريدة اقتَرحَ نَظْمَها عليه الراوِيةُ أبو محمد الحَرّارُ المذكورُ، وأودَعَها مجموعَهُ المشارَ إليه في مناقِب أبي العبّاس رحمَهم الله، وهي [الكامل]:
أين الكِباءُ (¬2) وأين عَرْفُ الآسِ ... ممّا حوَتْه كمائمُ الأرماسِ
إنّ البَقيعَ تعطَّرت أرجاؤه ... كالرَّوض غِبَّ العارضِ البَجّاسِ
فكأنّما دارينُ قد أهدَتْ إلى ... سُكّانِه مِسْكيّةَ الأنفاسِ
ولعلّ أصحابَ المقابرِ (¬3) أعرَسُوا ... وتدَخَّنوا بأُلُوّةِ (¬4) الأغراسِ
¬__________
(¬1) الموضع الذي يحيل عليه المؤلف في سفر مفقود، وترجمة أبي أمية ابن عفير في التكملة (496).
(¬2) الكباء: عود البخور، أو ضرب منه.
(¬3) في ق: القبور.
(¬4) الألوة: العود يستجمر به.

الصفحة 689