كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة (اسم الجزء: 1)
ومضَى القسمُ الأكبر من هذا الشّطر، وحتى من الشّطر الذي يليه، في الدّرس والتحصيل ولقاءِ الشيوخ في مَرّاكُش وغيرها من حواضر المغرب والأندلس وما يقتضيه ذلك من الرّحلات والأسفار ويُصاحبُه من الرواية والتدوين، وقد رأينا ممّا تقدّم وَلَعَه منذ صِغره بتقييد الفوائد واصطياد الشوارد التي كان ينقلُها عنه أصحابُه في الطّلب وبعضُ شيوخه في العلم، ويبدو أنّ اتجاهَه إلى التاريخ عمومًا وتاريخ الرجال خصوصًا ظهر في وقت مبكّر، ونمّاه لديه الأحداث التاريخيّة المتعاقبة التي شاهَدَها وكان قريبًا من أصحابها وصانعيها والمكلَّفين بتدوينها، وكان بعضُهم من شيوخه أو معارفه كالرُّعيني وابن القَطّان وابن هارونَ السُّماتي وغيرهم، ولكنّ التاريخَ كان له هوايةً لا وظيفة.
فما هي الوظيفةُ أو الوظائفُ التي اشتَغل بها، بعدَ أن تعلَّم وتزوَّج ووَلَد، أو في خلال كلِّ هذا؟
لقد عرفنا أنّ ابنَ عبد الملك كان ذا نَشَب، وأنه كان له شيءٌ من الرِّباع والدُّور في مَرّاكُش وأغمات، ويستفادُ من كتابه أنه أنفَقَ ثروةً طائلة في اقتناء نفائس الكُتُب وذخائر المؤلّفات، أمّا الرّباعُ والدّور فإنه يحدّثنا عن داره التي يَسكُنُها ودارٍ أخرى له كان يَسكُنُها قاضي مَرّاكُش ابنُ قُطْرال الأبُ كما يُخبرُنا أحدُ تلاميذه عن دارِه بأغمات.
ومن الطبيعيِّ أن يكونَ ابنُ عبد الملك ذا جِدَة ويَسَار بحُكم ما قد يكون آلَ إليه من ميراثِ والديه اللذَيْن عرَفْنا حيثيّتَهما في مَرّاكُش وقد استعان بذلك على ما يُسِّر له من العكوف على طلب العلم والتنقّل في سبيل لقاءِ أهله رغبةً في التفوّق والتبريز ونُشدانًا للشّفوف والتمييز، حتى بَلَغ من كلِّ ذلك ما أراد.
كانت الأدواتُ الفقهيّة والأدوات الأدبية من أهمِّ ما يُتوسَّل به إلى نيل الوظائف وإدراك الخُطط، فالأدواتُ الأولى تؤدِّي إلى التوثيق وما فوقه من نيابة وقضاءٍ ونحو ذلك، والثانيةُ تقودُ إلى الكتابة في الدّواوين وما يتّصل بها،
الصفحة 83
784