كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة (اسم الجزء: 1)

وقد توفّرت هذه الأدواتُ معًا عند ابن عبد الملك، ولذلك عمِل في الخُطط الشّرعية كالتوثيق والقضاء، واشتَغل بالكتابة الدّيوانية فترة فيما نحسَب.
ويبدو أنه اشتغل، أولَ ما اشتغل، بكتابة الشّروط وعَقْد الوثائق التي أَخَذَها ومَرِن فيها على يدِ شيوخِه من القضاة والموثِّقين، وأصبح فيها عُمدةً هو وولدُه محمدٌ كما تقدَّم، ولا نستندُ في هذا إلى نصّ صريح، وإنّما نستشفّه من خلال حديثه عن جلوسه الطويل في دكاكين عاقدي الشّروط، ولا يكونُ هذا الجلوسُ في الغالب إلّا لمن يَنتصبُ لهذا العمل الذي كان بدايةً طبيعيّةً لِما بعدَه، ونظُنُّ أنه صَرَفَ في هذا العمل وقتًا من شبابِه وأوّلِ كهولته، أى: في أواخر دولة الموحِّدين، وقد يقوّي هذا الظنَّ ما نعرِفُه عن صِلتِه الوثيقة بشيوخه الذين تعاقبوا على القضاء في هذه الحِقبة ومنهم: ابنُ القَطّان وابن القَشّاس وابن عليّ المدعوُّ بالشّريف وغيرُهم ممن سبَق ذكرهم.
ونظنُّ أنه ظَلَّ يشتغلُ بهذا إلى جانب ما كان يُفكِّر فيه أو يقومُ به من مشروعاتٍ علميّة إلى أنِ "انقَرضَت دولةُ بني عبد المؤمن من الأرض وذهبت محاسنُ مَرّاكُش بذهابِ دولتهم". ولا بدّ أنّ في الأسفارِ المفقودة من كتابه ما يُلقي شيئًا من الضّوء على هذه الفترة من حياته.
وأولُ ما نقفُ عليه في حياته الأدبية عند بداية الدّولة المَرِينيّة هو صُحبتُه ومخالطتُه لطائفةٍ من الأدباء كان لبعضهم صلة وثيقةٌ بالدولة الجديدة، ومنهم: أبو عِمرانَ التَّميميُّ الإفريقيُّ الذي ذَكَر مؤلّفُ "الذّخيرة السَّنية" أنه كان من جُلَساء الأمير أبي مالك عبد الواحد بن يعقوبَ بن عبد الحقّ، وكان لهذا الأمير مجلسٌ علميٌّ وأدبيٌّ في مَرّاكُش انتعشت به الحياةُ الثقافية في هذه المدينة بعد موتها معَ انقراض دولة الموحِّدين ونَقْل العاصمة إلى فاس، وكان يُشاركُ في هذا زيادةً على الأديب المذكور القاضي أبو الحَجّاج يوسُفُ بن أحمدَ بن حَكم، وهو من شيوخ ابن عبد الملك، والشاعر مالكُ ابن المُرحَّل وهو من شيوخ ابن عبد الملك أَيضًا، وعبد العزيز الملزوزيّ.

الصفحة 84