كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة (اسم الجزء: 1)

ولا نعرفُ "الحَيْثيّةَ" التي كانت لابن عبد الملك ضمنَ هذه المجموعة، ولا الوظيفةَ التي كان يشغَلُها يومئذٍ في أغمات، فهل كان قاضيَ البلد في عهد الوالي المذكور أم أنه كان من كُتّابه؟ لا يذكُر ابن عبد الملك شيئًا من هذا ولم نقفْ على أيّ خبر في الموضوع، وكل ما لدينا الآنَ هو هذا النصّ الطَّويل الذي يتحدّث فيه ابنُ عبد الملك عن الحياة الأدبيّة في أغْمات على عهد واليها المِلْيانيّ، ووصف مجلس من المجالس الأدبيّة في قَصره، قال: "حضرتُ معَه (أى: مع ابن الجَنّان) يومًا قُرَيْبَ الزّوال بمجلس أبي عليّ عُمر ابن الفقيه أبي العبّاس بن عثمان بن عبد الجَبّار بن داودَ المتوسيِّ المِلْيانيّ وهو والٍ بأغماتِ وريكة ... "، ثم ساق حكايةً حكاها ابنُ الجَنّان كاتبُ الوالي المذكور نجدُ نصَّها الكاملَ في آخر السِّفر الثامن من "الذّيل والتكملة"، ومضمَّنُ الحكاية أنّ ابنُ زَنّون أميرَ مالَقة كان له خاتَمٌ يطبع به كُتُبه لا يفارقُه ولا تُطبَع به الكُتُب إلا بحضوره، فأمَرَ ذات يوم كُتّابَه -وكانوا ثلاثة- بإنشاء رسائلَ واستعجَلَهم فيها، ودخَل إلى قصره، فلمّا فَرَغوا منها اتّفقوا على أن يُخبِروه بذلك شعرًا لاستحسانه له، فكتَب كلُّ واحد منهم بيتًا في البطاقة التي سُرَّ بها الأمير المذكور، ثم يقول ابنُ عبد الملك: "وحضَر لإيراد هذه الحكاية بعضُ من يغشَى مجلسَ أبي عليّ أو يتردَّد إليه، وله حَظّ من الأدبِ وقَرْض الشعر"، وسَرَد الأسماءَ التي سبَق ذكْرُها، ثم قال: "فاستَظْرفَها أبو عليّ والحاضرونَ وأُعجِبوا بها وتفاوَضوا في شأنها ساعةً، ثم قال أبو علي: ليت شعري! لو كان معَهم رابعٌ ماذا كان يقول؟ وهل تمُكنُ الزيادةُ على هذه الأبيات؟ فقال الجميع: إنّ المعنى قد كمُل ومَنَعَ الزيادةَ! فقال: من المحال عادةً أن يكونَ معَهم رابعٌ ولا يجري مجراهم في الإتيان بمثل ما آلوْا به، فخُذوا في الزّيادة عليها، وأشار بذلك إلى ابن المُعزِّ وأبي محمد المَرّاكُشيّ وأبي إبراهيمَ القَزُوليّ، وأضاف إليهم ابنَ الجَنّان مُوردَ الحكاية وقال له: هَبْك لستَ أحدَ الناظمينَ المذكورين". ثم يتحدّث ابن عبد الملك عن نفسِه فيقول: "ثم عَطَف (أي: الوالي) عليّ، وطالبني بالموافقة لهم في ذلك، ولم يكنْ رأى لي

الصفحة 87