كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة (اسم الجزء: 1)

ولكنّه على ذلك مُترَعٌ فوائد ومشحون غرائبَ علميّة لا توجد مجموعةً في كتابٍ غيرِه ألبتّة، سوى ما اختَصّ به من كثيرِ ما احتوى عليه من التنبيه على حُسن نظم القرآن العظيم والإرشاد إلى بديع رَصْفِه والكشف عن وجوه إعجازه" (¬1). ولا أكادُ أعرف تقويمًا للكشّاف لأحد من أهل السنة بمثل هذا الإنصافِ والاعتدال والتفطُّن لقيمته وقَدْره إلا ما كان من رأي ابن خلدون في "المقدّمة"، وهو شبيهٌ برأي ابن عبد الملك، ولعلّ ابنَ خلدون وقَفَ عليه وانتفع به في قوله: "ومن أحسن ما اشتمل عليه هذا الفنُّ من التفاسير كتابُ "الكشّاف" للزمخشريّ من أهل خُوارزم العراق، إلا أن مؤلفَه من أهل الاعتزال في العقائد، فيأتي بالحِجَاج على مذاهبهم الفاسدة، حيث تعرِضُ له في آي القرآن من طرق البلاغة، فصار بذلك للمحقِّقين من أهل السّنة انحرافٌ عنه وتحذيرٌ للجمهور من مكامنه، معَ إقرارهم برسوخ قدَمِه فيما يتعلَّق باللّسان والبلاغة، وإذا كان الناظرُ فيه واقفًا مع ذلك على المذاهبِ السُّنِّية محُسِنًا للحِجَاج عنها فلا جَرَمَ أنه مأمونٌ من غوائله، فلتغتنمْ مطالعتَه لغرابته في فنون اللّسان" (¬2).
أمّا علومُ الحديث فكان فيها فارسَ الميدان وكُمَيْتَ الحَلَبة ولا سيّما الأسانيدُ، وقد اعتَرف شيخُه ابنُ الزُّبير -وهو إمامُ المدرسة الحديثيّة في عصره بالغرب الإِسلامي- بعلوِّ كعب ابن عبد الملك في معرفة الأسانيد عندما ذكر أنه كان "نقّادًا لها حسَنَ التّهدِّي جيّد التصرُّف وإن قَلّ سَماعهُ". وفي الجملة الأخيرة نظر؛ فابنُ عبد الملك وإن لم يبلُغْ سماعُه وشيوخه في العدد مبلغَ سماع شيخِه ابن الزُّبير وصاحبه ابن رُشَيْد السَّبْتيِّ مثلًا، إلا أنه يتفوّقُ في النقد الإسناديِّ والزيادات والاستدراكات على مصنَّفات أئمة الحديث من أهل عصره ومَن قبلَهم، ممّا يدُلُّ على تبحُّره وتوسُّعه وإحاطتِه واستيعابِه، وآيةُ ذلك عملُه في الجمع بين كتابَي ابن القَطّان وابن المَوّاق "معَ زياداتٍ نبيلة من قِبَلِه" كما يقول
¬__________
(¬1) الذيل والتكملة 1/الترجمة 12.
(¬2) المقدمة.

الصفحة 95