كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة (اسم الجزء: 1)

وأمّا النقدُ الإسناديّ الذي برَّز فيه فنجدُ منه الشيءَ الكثير في "الذّيل والتكملة"، وسنشيرُ إلى شيء منه فيما بعده
وكان ابن عبد الملك متمكّنًا من أصول الكلام وأصول الفقه وفروعه، أَخَذَها عن الفحول من أهلها، وذكَرَ في كتابه عددًا كبيرًا ممّا أَلْف فيها، وأهّله تضَلُّعُه في هذه العلوم لخُطة قضاءِ الجماعة التي لم تكن تُسنَدُ يومئذ إلا للراسخينَ في العلم، ولقد أشار ابنُ الزُّبير إلى مشاركته في الفقه، كما ذكَرَه النُّباهيُّ في رجال القضاء والفُتيا، وحَلّاه ابنُ رُشيد السَّبتيّ بالفقيه الجليل، وهو وإن لم يؤلِّف في الفقه فإنّ في كتابه "الذّيل والتكملة" مظاهرَ من ثقافته الفِقهية ورَدَت عرَضًا وجاءت استطرادًا، وأكتفي هنا بالإحالة على مواضعِها في الكتاب المذكور (¬1). وكان لهذه الثقافة تأثيرٌ على أدبه وشعره كما سنرى ذلك. وأمّا ما يُدعَى بالعلوم القديمة كالفلسفة وغيرها فإنّ في كتابه "الذّيل" مما يدُلّ على وقوفه على كُتُبها وقراءته لبعضها, ولم تُعرَف القائمةُ الكاملة من مؤلّفات ابن رُشد -مثلًا- إلا بواسطتِه (¬2)، إلا أنّ موقفَه من الفلسفة هو موقفُ أهل عصره؛ ولذلك نجدُه يوردُ ما قيل من شعر ونثر في مهاجمتها (¬3)، ونحن نأنَس من كتابه ازورارَه عمّن يخرُج عن الخَطّ السُّنِّي المالكيِّ كابن حزم مثلًا (¬4).
أمّا ثقافةً ابن عبد الملك الأدبيّة فإنَّها على جانب كبير من الاتّساع؛ إذ كان "ذا معرفة بالعربيّة واللّغة والعروض"، وكان"أديبًا بارعًا شاعرًا مجُيدًا" كما يقول ابنُ الزُّبير، ونَعَتَه العَبْدريّ الحِيحيُّ بالأديب الأوحد، وقال فيه ابنُ رُشيد: المتفنِّن الأديب، بينَما وصَفَه ابنُ الخَطيب بالتبحُّر في الآداب، ولنا أن نتصوَّر
¬__________
(¬1) الذيل والتكملة 6/الترجمة 129 و 8/الترجمة 87، 135.
(¬2) ترجمة ابن رشد في السفر السادس (51).
(¬3) الذيل والتكملة 5/الترجمة 1172 و 6/الترجمة 51, 705 (موضعان) والسفر الثامن (26 وترجمة 91).
(¬4) المصدر نفسه 4/الترجمة 3.

الصفحة 98