كتاب مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (اسم الجزء: 1)
الصَّوْتَ الطَّيِّبَ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى صَاحِبِهِ، وَزِيَادَةٌ فِي خَلْقِهِ، وَبِأَنَّ اللَّهَ ذَمَّ الصَّوْتَ الْفَظِيعَ، فَقَالَ {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: 19] وَبِأَنَّ اللَّهَ وَصَفَ نَعِيمَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَقَالَ فِيهِ {فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} [الروم: 15] ، وَبِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ السَّمَاعُ الطَّيِّبُ، فَكَيْفَ يَكُونُ حَرَامًا وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ؟ وَبِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا أَذِنَ لِشَيْءٍ كَأِذْنِهِ أَيْ كَاسْتِمَاعِهِ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ، وَبِأَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ اسْتَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى صَوْتِهِ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِحُسْنِ الصَّوْتِ، وَقَالَ «لَقَدْ أُوتِيَ هَذَا مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ اسْتَمَعْتَ لَحَبَّرْتُهُ لَكَ تَحْبِيرًا،» أَيْ زَيَّنْتُهُ لَكَ وَحَسَّنْتُهُ، وَبُقُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ» .
وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ» وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنَ التَّغَنِّي بِمَعْنَى
الصفحة 485