كتاب تفسير فتح القدير (الفكر) (اسم الجزء: 1)

"""""" صفحة رقم 499 """"""
له أي يستحقها بسبب هذا الذنب وبين كونه خالدا فيها وبين غضب الله عليه ولعنته له وإعداده له عذابا عظيما وليس وراء هذا التشديد تشديد ولا مثل هذا الوعيد وعيد وانتصاب خالدا على الحال وقوله ) وغضب الله عليه ( معطوف على مقدر يدل عليه السياق أي جعل جزاءه جهنم أو حكم عليه أو جازاه وغضب عليه وأعد له
وقد اختلف العلماء هل لقاتل العمد من توبة أم لا توبة له فروى البخاري عن سعيد بن جبير قال اختلف فيها علماء أهل الكوفة فرحلت فيها إلى ابن عباس فسألته عنها فقال نزلت هذه الآية ) ومن يقتل مؤمنا متعمدا ( وهي آخر ما نزل وما نسختها شيء وقد روى النسائي عنه نحو هذا وروى النسائي عن زيد بن ثابت نحوه وممن ذهب إلى أنه لا توبة له من السلف أبو هريرة وعبدالله بن عمرو وأبو سلمة وعبيد بن عمير والحسن وقتادة والضحاك ابن مزاحم نقله ابن أبي حاتم عنهم وذهب الجمهور إلى أن التوبة منه مقبولة واستدلوا بمثل قوله تعالى ) إن الحسنات يذهبن السيئات ( وقوله ) وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ( وقوله ) ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ( قالوا أيضا والجمع ممكن بين آية النساء هذه وآية الفرقان فيكون معناهما فجزاؤه جهنم إلا من تاب لا سيما وقد اتحد السبب وهو القتل والموجب وهو التوعد بالعقاب واستدلوا أيضا بالحديث المذكور في الصحيحين عن عبادة بن الصامت أنه ( صلى الله عليه وسلم ) ( قال بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ثم قال فمن أصاب من ذلك شيئا فستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه ) وبحديث أبي هريرة الذي أخرجه مسلم في صحيحه وغيره في الذي قتل مائة نفس وذهب جماعة منهم أبو حنيفة وأصحابه والشافعي إلى أن القاتل عمدا داخل تحت المشيئة تاب أو لم يتب وقد أوضحت في شرحي على المنتقى متمسك كل فريق
والحق أن باب التوبة لم يغلق دون كل عاص بل هو مفتوح لكل من قصده ورام الدخول منه وإذا كان الشرك وهو أعظم الذنوب وأشدها تمحوه التوبة إلى الله ويقبل من صاحبه الخروج منه والدخول في باب التوبة فكيف بما دونه من المعاصي التي من جملتها القتل عمدا لكن لا بد في توبة قاتل العمد من الاعتراف بالقتل وتسليم نفسه للقصاص إن كان واجبا أو تسيم الدية إن لم يكن القصاص واجبا وكان القاتل غنيا متمكنا من تسليمها أو بعضها وأما مجرد التوبة من القاتل عمدا وعزمه على أن لا يعود إلى قتل أحد من دون اعتراف ولا تسليم نفس فنحن لا نقطع بقبولها والله أرحم الراحمين هو الذي يحكم بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله ) وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ( يقول ما كان له ذلك فيما أتاه من ربه من عهد الله الذي عهد إليه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) وما كان لمؤمن ( الآية قال إن عياش بن أبي ربيعة قتل رجلا مؤمنا كان يعذبه هو وأبو جهل وهو أخوه لأمه في اتباع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وعياش يحسب أن ذلك الرجل كافر
وأوضح من هذا السياق ما أخرجه ابن جرير عن عكرمة قال كان الحارث بن يزيد من بني عامر بن لؤي يعذب عياش بن أبي ربيعة مع أبي جهل ثم خرج مهاجرا إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يعني الحارث فلقيه عياش بالحرة فعلاه بالسيف وهو يحسب أنه كافر ثم جاء إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبره فنزلت ) وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ( الآية فقرأها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عليه ثم قال له قم فحرر وأخرجه ابن جرير وابن المنذر عن السدي بأطول من هذا وقد روى من طرق غير هذه وأخرج ابن جرير عن

الصفحة 499