كتاب تفسير فتح القدير (الفكر) (اسم الجزء: 1)

"""""" صفحة رقم 503 """"""
النساء : ( 95 ) لا يستوي القاعدون . . . . .
التفاوت بين درجات من قعد عن الجهاد من غير عذر ودرجات من جاهد في سبيل الله بماله ونفسه وإن كان معلوما لكن أراد سبحانه بهذا الإخبار تنشيط المجاهدين ليرغبوا وتبكيت القاعدين ليأنفوا قوله ) غير أولي الضرر ( قرأ أهل الكوفة وأبو عمرو بالرفع على أنه وصف للقاعدين كما قال الأخفش لأنهم لا يقصد بهم قوم بأعيانهم فصاروا كالنكرة فجاز وصفهم بغير وقرأ أبو حيوة بكسر الراء على أنه وصف للمؤمنين وقرأ أهل الحرمين بفتح الراء على الاستثناء من القاعدين أو من المؤمنين أي إلا اولي الضرر فإنهم يستوون مع المجاهدين ويجوز أن يكون منتصبا على الحال من القاعدين أي لا يستوي القاعدون الأصحاء في حال صحتهم وجازت الحال منهم لأن لفظهم لفظ المعرفة قال العلماء أهل الضرر هم أهل الأعذار لأنها أضرت بهم حتى منعتهم عن الجهاد وظاهر النظم القرآني أن صاحب العذر يعطى مثل أجر المجاهد وقيل يعطى أجره من غير تضعيف فيفضله المجاهد بالتضعيف لأجل المباشرة قال القرطبي والأول أصح إن شاء الله للحديث الصحيح في ذلك ( إن بالمدينة رجالا ما قطعتم واديا ولا سرتم مسيرا إلا كانوا معكم أولئك قوم حبسهم العذر ) قال وفي هذا المعنى ما ورد في الخبر ( إذا مرض العبد قال الله تعالى اكتبوا لعبدي ما كان يعمله في الصحة إلى أن يبرأ أو أقبضه إلي ) قوله ) فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة ( هذا بيان لما بين الفريقين من التفاضل المفهوم من ذكر عدم الاستواء إجمالا والمراد هنا غير اولي الضرر حملا للمطلق على المقيد وقال هنا ) درجة ( وقال فيما بعد ) درجات ( فقال قوم التفضيل بالدرجة ثم بالدرجات إنما هو مبالغة وبيان وتأكيد وقال آخرون فضل الله المجاهدين على القاعدين من أولي الضرر بدرجة واحدة وفضل الله المجاهدين على القاعدين من غير أولي الضرر بدرجات قاله ابن جريج والسدي وغيرهما وقيل إن معنى درجة علوا أي اعلى ذكرهم ورفعهم بالثناء والمدح ودرجة منتصبة على التمييز أو المصدرية لوقوعها موقع المرة من التفضيل أي فضل الله تفضيله أو على نزع الخافض أو على الحالية من المجاهدين أي ذوي درجة قوله ) وكلا ( مفعول أول لقوله ) وعد الله ( قدم عليه لإفادته القصر أي كل واحد من المجاهدين والقاعدين وعده الله الحسنى أي المثوبة وهي الجنة قوله ) أجرا ( هو منتصب على التمييز وقيل على المصدرية لأن فضل بمعنى آجر فالتقدير آجرهم أجرا وقيل مفعول ثان لفضل لتضمنه معنى الإعطاء وقيل منصوب بنزع الخافض وقيل على الحال من درجات مقدم عليها
النساء : ( 96 ) درجات منه ومغفرة . . . . .
وأما انتصاب درجات ومغفرة ورحمة فهي بدل من أجرا وقيل إن مغفرة ورحمة ناصبهما أفعال مقدرة أي غفر لهم مغفرة ورحمهم رحمة
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم عن زيد بن ثابت أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أملى عليه ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله ) فجاء ابن أم مكتوم وهو يمليها علي فقال يا رسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت وكان أعمى فأنزل الله على رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) وفخذه على فخذي ) غير أولي الضرر ( وقد أخرج هذا المعنى عبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم من حديث البراء وأخرجه أيضا سعيد بن منصور وأحمد وأبو داود وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه من حديث خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه وأخرج الترمذي وحسنه والنسائي وابن جرير وابن المنذر والبيهقي

الصفحة 503