كتاب تفسير فتح القدير (الفكر) (اسم الجزء: 1)

"""""" صفحة رقم 524 """"""
فإذا شهدوا على هؤلاء بما عليهم فالأجنبي من الناس أحرى أن يشهدوا عليه وقد قيل إن معنى الشهادة على النفس أن يشهد بحق على من يخشى لحوق ضرر منه على نفسه وهو بعيد وقوله ) شهداء لله ( خبر بعد خبر لكان أو حال ولم ينصرف لأن فيه ألف التأنيث وقال ابن عطية الحال فيه ضعيفة في المعنى لأنها تخصص القيام بالقسط إلى معنى الشهادة فقط وقوله ) لله ( أي لمرضاته وثوابه وقوله ) ولو على أنفسكم ( متعلق بشهداء هذا المعنى الظاهر من الآية وقيل معنى ) شهداء لله ( بالوحدانية فيتعلق قوله ) ولو على أنفسكم ( بقوامين والأول أولى قوله ) إن يكن غنيا أو فقيرا ( اسم كان مقدر أي إن يكن المشهود عليه غنيا فلا يراعي لأجل غناه استجلابا لنفعه أو استدفاعا لضره فيترك الشهادة عليه أو فقيرا فلا يراعي لأجل فقره رحمة له وإشفاقا عليه فيترك الشهادة عليه وإنما قال ) فالله أولى بهما ( ولم يقل به مع أن التخيير إنما يدل على الحصول لواحد لأن المعنى فالله أولى بكل واحد منهما وقال الأخفش تكون أو بمعنى الواو وقيل إنه يجوز ذلك مع تقدم ذكرهما كما في قوله ) وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس ( وقد تقدم في مثل هذا ما هو أبسط مما هنا وقرأ أبي فالله أولى بهم وقرأ ابن مسعود ( إن يكن غني أو فقير ) على أن كان تامة ) فلا تتبعوا الهوى ( نهاهم عن اتباع الهوى وقوله ) أن تعدلوا ( في موضع نصب وهو إما من العدل كأنه قال فلا تتبعوا الهوى كراهة أن تعدلوا بين الناس أو من العدول كأنه قال فلا تتبعوا الهوى مخافة أن تعدلوا عن الحق أو كراهة أن تعدلوا عن الحق قوله ) وإن تلووا ( من اللي يقال لويت فلانا حقه إذا دفعته عنه والمراد لي الشهادة ميلا إلى المشهود عليه وقرأ ابن عامر والكوفيون ( وإن تلوا ) من الولاية أي وإن تلوا الشهادة وتتركوا ما يجب عليكم من تأديتها على وجه الحق وقد قيل إن هذه القراءة تفيد معنيين الولاية والإعراض والقراءة الأولى تفيد معنى واحدا وهو الإعراض وزعم بعض النحويين أن القراءة الثانية غلط ولحن لأنه لا معنى للولاية ها هنا قال النحاس وغيره وليس يلزم هذا ولكن يكون تلوا بمعنى تلووا وذلك أن أصله تلووا فاستثقلت الضمة على الواو بعدها واو أخرى فألقيت الحركة على اللام وحذفت إحدى الواوين لالتقاء الساكنين وذكر الزجاج نحوه وقوله ) أو تعرضوا ( أي عن تأدية الشهادة من الأصل ) فإن الله كان بما تعملون خبيرا ( أي بما تعملون من اللي والإعراض أو من كل عمل وفي هذا وعيد شديد لمن لم يأت بالشهادة كما تجب عليه وقد روى أن هذه الآية تعم القاضي والشهود أما الشهود فظاهر وأما القاضي فذلك بأن يعرض عن أحد الخصمين أو يلوي عن الكلام معه وقيل هي خاصة بالشهود
النساء : ( 136 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله ( أي اثبتوا على إيمانكم ودوموا عليه والخطاب هنا للمؤمنين جميعا ) والكتاب الذي نزل على رسوله ( هو القرآن واللام للعهد ) والكتاب الذي أنزل من قبل ( هو كل كتاب واللام للجنس وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر نزل وأنزل بالضم وقرأ الباقون بالفتح فيهما وقيل إن الآية نزلت في المنافقين والمعنى يا أيها الذين آمنوا في الظاهر أخلصوا لله وقيل نزلت في المشركين والمعنى يا أيها الذين آمنوا باللات والعزى آمنوا بالله وهما ضعيفان قوله ) ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ( أي بشيء من ذلك ) فقد ضل ( عن القصد ) ضلالا بعيدا ( وذكر الرسول فيما سبق لذكر الكتاب الذي أنزل عليه وذكر الرسل هنا لذكر الكتب جملة فناسبه ذكر الرسل جملة وتقديم الملائكة على الرسل لأنهم الوسائط بين الله وبين رسله
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ) يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين ( الآية قال أمر الله المؤمنين أن يقولوا بالحق ولو على أنفسهم أو آبائهم أو أبنائهم لا يحابون غنيا

الصفحة 524