كتاب تفسير فتح القدير (الفكر) (اسم الجزء: 1)

"""""" صفحة رقم 527 """"""
فإنهم قد صرحوا في مؤلفاتهم بالنهي عن تقليدهم كما أوضحنا ذلك في رسالتنا المسماة [ بالقول المفيد في حكم التقليد ] وفي مؤلفنا المسمى [ بأدب الطلب ومنتهى الأرب ] اللهم انفعنا بما علمتنا واجعلنا من المقتدين بالكتاب والسنة وباعد بيننا وبين آراء الرجال المبنية على شفا جرف هار يا مجيب السائلين
قوله ) إنكم إذا مثلهم ( تعليل للنهي أي إنكم إن فعلتم ذلك ولم تنتهوا فأنتم مثلهم في الكفر قيل وهذه المماثلة ليست في جميع الصفات ولكنه إلزام شبه بحكم الظاهر كما في قول القائل وكل قرين بالمقارن يقتدي
وهذه الآية محكمة عند جميع أهل العلم إلا ما يروى عن الكلبي فإنه قال هي منسوخة بقوله تعالى ) وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ( وهو مردود فإن من التقوى اجتناب مجالس هؤلاء الذين يكفرون بآيات الله ويستهزئون بها قوله ) إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا ( هذا تعليل لكونهم مثلهم في الكفر قيل وهم القاعدون والمقعود إليهم عند من جعل الخطاب موجها إلى المنافقين
النساء : ( 141 ) الذين يتربصون بكم . . . . .
قوله ) الذين يتربصون بكم ( أي ينتظرون بكم ما يتجدد ويحدث لكم من خير أو شر والموصول في محل نصب على أنه صفة للمنافقين أو بدل منهم فقط دون الكافرين لأن التربص المذكور هو من المنافقين دون الكافرين ويجوز أن يكون في محل نصب على الذم ) فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم ( هذه الجملة والجملة التي بعدها حكاية لتربصهم أي إن حصل لكم فتح من الله بالنصر على من يخالفكم من الكفار ) قالوا ( لكم ) ألم نكن معكم ( في الاتصاف بظاهر الإسلام وإلتزام أحكامه والمظاهرة والتسويد وتكثير العدد ) وإن كان للكافرين نصيب ( من الغلب لكم والظفر بكم ) قالوا ( للكافرين ) ألم نستحوذ عليكم ( أي ألم تقهركم ونغلبكم ونتمكن منكم ولكن أبقينا عليكم وقيل المعنى إنهم قالوا للكفار الذين ظفروا بالمسلمين ألم نستحوذ عليكم حتى هابكم المسلمون وخذلناهم عنكم والأول أولى فإن معنى الاستحواذ الغلب يقال استحوذ على كذا أي غلب عليه ومنه قوله تعالى ) استحوذ عليهم الشيطان ( ولا يصح أن يقال ألم نغلبكم حتى هابكم المسلمون ولكن المعنى ألم نغلبكم يا معشر الكافرين ونتمكن منكم فتركناكم وأبقينا عليكم حتى حصل لكم هذا الظفر بالمسلمين ) ونمنعكم من المؤمنين ( بتخذيلهم وتثبيطهم عنكم حتى ضعفت قلوبهم عن الدفع لكم وعجزوا عن الانتصاف منكم والمراد أنهم يميلون مع من له الغلب والظفر من الطائفتين ويظهرون لهم أنهم كانوا معهم على الطائفة المغلوبة وهذا شأن المنافقين أبعدهم الله وشأن من حذا حذوهم من أهل الإسلام من التظهر لكل طائفة بأنه معها على الأخرى والميل إلى من معه الحظ من الدنيا في مال أو جاه فيلقاه بالتملق والتودد والخضوع والذلة ويلقى من لا حظ له من الدنيا بالشدة والغلظة وسوء الخلق ويزدري به ويكافحه بكل مكروه فقبح الله اخلاق أهل النفاق وأبعدها قوله ) فالله يحكم بينكم يوم القيامة ( بما انطوت عليه ضمائرهم من النفاق والبغض للحق وأهله ففي هذا اليوم تنكشف الحقائق وتظهر الضمائر وإن حقنوا في الدنيا دماءهم وحفظوا أموالهم بالتكلم بكلمة الإسلام نفاقا ) ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ( هذا في يوم القيامة إذا كان المراد بالسبيل النصر والغلب أو في الدنيا إن كان المراد به الحجة قال ابن عطية قال جميع أهل التأويل إن المراد بذلك يوم القيامة قال ابن العربي وهذا ضعيف لعدم فائدة الخبر فيه وسببه توهم من توهم أن آخر الكلام يرجع إلى أوله يعني قوله ) فالله يحكم بينكم يوم القيامة ( وذلك يسقط فائدته إذ يكون تكرارا هذا معنى كلامه وقيل المعنى إن الله لا يجعل للكافرين سبيلا على المؤمنين يمحو به دولتهم ويذهب آثارهم ويستبيح بيضتهم كما يفيده الحديث الثابت في الصحيح ( وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا ) وقيل إنه سبحانه لا يجعل للكافرين سبيلا

الصفحة 527