كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 1)

فصل في ذكر النار، التي أعدّها الله للفجار (¬1)
قال أحمد بن حنبل بإسناده عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: كنَّا جلوسًا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فسمعنا وَجْبَة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: "هذا حَجَرٌ أُرسِل في جهنَّم سبعينَ خريفًا والآن انتهى إلى قَعْرِها". انفرد بإخراجه مسلم (¬2).
الوَجْبَة: السقطة مع هَدَّةٍ. وهذا الحديث يدل على أنَّ النارَ في الأرض، وقد نص عليه ابن سلام، وقال: كذا هو في التوراة، فإن قيل: ففي حديثِ المعراج أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رآها تلك الليلة في السماء (¬3)، فالجواب أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: ورأيت الجنةَ والنار، ولم يقل: رأيتُ النار في السماء.
وأنبأنا جدي بإسناده عن قتادة -وفي رواية ابن أبي الدنيا: عن شعبة- قال: أخبرني من رأى عبادةَ بن الصامت على حائط بيت المقدس الشرقيِّ يبكي ويقول: من ها هنا أخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّه رأى جهنَّم ليلةَ المعراج، قال: ولذلك سمي وادي جهنم (¬4).
ويحتمل أن الله تعالى أراه إياها في تلك الليلة كما جلَّى له بيتَ المقدس، وذلك أبلغُ في إظهار القدرة، ولأنَّ النارَ حبس، والحبسُ يكون في جهة السفل، بخلافِ الجنة لأنها بستان، والبستان يكون في جهة العلوِّ.
روى مجاهد عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ} [الحجر: 44] قال: هي دركات بعضها فوق بعض، فأولها جهنم، ثم لظى، ثم الحُطَمة، ثم السعير، ثم سقر، ثم الجحيم، ثم الهاوية (¬5).
¬__________
(¬1) انظر "كنز الدرر"1/ 265.
(¬2) أحمد في "مسنده" (8839)، ومسلم (2844).
(¬3) الحديث أخرجه أحمد في "مسنده" (23285) من حديث حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه -، وانظر تفصيل الكلام على مكان جهنم في كتاب "التخويف من النار" لابن رجب، باب في ذكر مكان جهنم ص 62 - 68، وانظر المنتظم 1/ 181.
(¬4) "فضائل بيت المقدس"ص 120 - 121.
(¬5) أخرجه الطبري في "تفسيره" 14/ 35 من حديث ابن جريج.

الصفحة 144