كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 1)

فصل في ذكر إبليس وجنوده، وأولاده وحشوده (¬1)
اختلفوا في اشتقاقه، قال علماء التفسير: اشتقاقه من الإبلاس وهو الإياس، وإبليس قد يئس من رحمة الله، قال الجوهري: يقال أَبْلَس فلان إذا سكت غمًّا.
واختلفوا في اسمه، فقال الجوهري: كان اسمه عزازيل (¬2). وهو قول ابن عباس، وروي عن ابن عباس أن اسمه: الحارث.
واختلفوا في كنيته على قولين: أحدهما: أبو مرة، والثاني: أبو الغمر.
واختلفوا هل كان من الملائكة أو من الجنِّ على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه كان من الملائكة، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس.
والثاني: أنه كان من الشياطين، قاله الحسن البصري، قال: ولم يكن من الملائكة قط، واحتج بقوله تعالى: {إلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف: 50].
الثالث: أنه لا من الملائكة ولا من الجن، بل هو خلق مفردٌ خلقه الله تعالى من النارِ كما خلق آدمَ من الطين، قاله مقاتل (¬3).
وقد رجَّحَ علماءُ التفسير قول ابنِ عباس أنه كان من الملائكة، واحتجّوا بقوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إلا إِبْلِيسَ} [البقرة: 34، الكهف: 50] وهذا استثناء متصلٌ، فدلَّ على أنه منهم.
وأما قول الحسن: إنه كان من الجن، وما احتجَّ به من الآية فقد فسَّره ابن عباس وقال: أشرافُ الملائكةِ وأكرمهم يقال لهم: الجنُّ، لأنهم استتروا عن أعين الملائكة لشرفهم، وكان إبليس منهم، قال: وكان له سلطانُ السماءِ الدنيا وسلطانُ الأرض، وكان يسمَّى: طاووسَ الملائكةِ، وليس في سماء الدنيا مكانٌ إلا وقد سجد عليه، ولما عصتِ الجنُّ في الأرض بعثه الله في طائفةٍ من الملائكة فطردوهم إلى الجزائر وأطرافِ
¬__________
(¬1) انظر "كنز الدرر"1/ 244.
(¬2) "الصحاح": (بلس).
(¬3) أخرجه أحمد في "الزهد" ص 96. وانظر "تلبيس إبليس" ص 27.

الصفحة 151