كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 1)

فصل في حَدَثِ العالم (¬1) وإثبات الصانع بالدلائل القواطع (¬2)
اختلف العلماء في مبلغ العالم على أقوال:
أحدها: أنهم ثمانون ألف عالم -قاله مقاتل- أربعون ألفًا في البر، وأربعون ألفًا في البحر، وحكاه عن عبيد بن عمير.
والثاني: أربعون ألف عالم، الدنيا من شرقها إلى غربها عالم واحد، وما العمارة في الخراب إلا كفسطاط في الصحراء، قاله وهب بن منبه.
والثالث: أنه ألف عالم، ست مئة في البحر وأربع مئة في البر، قاله سعيد بن المسيب.
والرابع: ثمانية عشر ألف عالم، قاله الحسن.
والخامس: أنه لا يقدر أحدٌ أن يحصيهم سوى الله تعالى، وهو الأصح، لقوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إلا هُوَ} [المدثر: 31].
فأما إثبات الصانع، فقال أحمد بن حنبل رحمه الله -وقد تقدم إسنادنا إليه (¬3) - حدثنا أبو معاوية بإسناده عن عمران بن الحصين قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبني تميم: "يا بني تميم اقبلوا البشرى" قالوا: قد بشرتنا فأعطنا، فتغير وجهه وقال: "يا أهلَ اليمن اقبلوا البشرى إذ لم يقبلها بنو تميم" فقالوا: يا رسول الله قد بشرتنا، فأخبرنا عن أول هذا الأمر كيف كان، فقال: "كان الله ولم يكن شيء -أو قبل كل شيء- وكان عرشه على الماء، ثم خلق السماوات والأرض، وكتب في اللوح المحفوظ -أو في الذكر- كل شيء". انفرد بإخراجه البخاري (¬4).
¬__________
(¬1) في هامش الأصل: قال أبو العباس أحمد البوني - رضي الله عنه -: من قال يحدث العالم فقد قال بقدمه من حيث لا يشعر. وهذا القول فيه انغلاق.
(¬2) هذا الفصل اقتبس أكثره من "مرآة الزمان" الدواداري في "كنز الدرر" 1/ 14 وما بعدها.
(¬3) هذا أحد الأدلة على أن الذي بين أيدينا هو مختصر قطب الدين اليونيني، فقد ساق الحديث من "مسند أحمد"، وحذف إسناد سبط بن الجوزي إليه، انظر ص 10 من هذا الجزء.
(¬4) أحمد في "مسنده" (19876)، والبخاري (3191).

الصفحة 17