كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 1)

أحدها: لإطعامه الطعام ولم يكن يأكل إلَّا مع الضيف، رواه عبد الله بن عمرو عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. حدَّثنا جدَّي حدَّثنا أبو القاسم الحريري بإسناده عن عبد الله بن عمرو قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "سألت جِبرِيلَ لمَ اتخَذَ الله إِبراهيمَ خَلِيلًا؟ فَقال: لإطعامِهِ الطَّعَامَ (¬1) ".
الثاني: لأنه أصاب أهل ناحيته جدب (¬2)، روى أبو صالح عن ابن عباس قال: أصابت الناسَ سنةٌ جهدوا فيها، فجاؤوا إلى باب إبراهيم يطلبون الطعام، وكان له صديق بمصر، وكان يبعث إليه غلمانه بالإبل فيمتارون (¬3)، فذهبوا إلى صديقه فلم يعطهم شيئًا، وقال: لو كان إبراهيم إنما يمتار لنفسه احتملنا ذلك، فقد دخل علينا من الشدَّة ما دخل على الناس، فرجعوا من عنده، فمرُّوا على كثيب رمل، فقال بعضهم: خذوا منه لئلا يقول الناس لم يأتوا بشيء، فمرُّوا تلك الغرائر وجاؤوا فأخبروا إبراهيم بأن صديقه لم يعطهم شيئًا، وأنَّهم ملؤوا الغرائر رملًا، فنام مهمومًا. وجاءت سارَة -وكانت غائبة- ففتحت بعض الغرائر تظنُّ أنَّ في الغرائر دقيقًا، فإذا دقيق حوَّارى (¬4)، فعجنت وخبزت، فانتبه إبراهيم فرأى الخبز فقال: من أين هذا؟ قالت: من عند خليلك المصري. فقال: بل من عند خليلي الله، ففرَّقه على الناس فاتخذه الله خليلًا (¬5).
والثالث: لأنه لما كسر الأصنام غَيرةً لله اتخذه الله خليلًا، قاله مقاتل (¬6).
والرَّابع: لأنه لم يخير بين شيئين إلَّا اختار ما لله فيه رضىً. قاله الربيع بن أنس.
وقال ابن سعد بإسناده عن ابن عباس قال: لما اتخذ الله إبراهيم خليلًا كان له يومئذ ثلاث مئة عبد فأعتقهم، فكانوا يجاهدون بين يديه (¬7). وإبراهيم أوَّل من عمل القسيَّ العربية، وأما القسيُّ الأعجميَّة فأوَّل من عملها نمرود (¬8).
¬__________
(¬1) انظر "زاد المسير" 2/ 212. و"المنتظم" 1/ 273. وأخرجه البيهقي في "شعبه" 9616).
(¬2) قوله: الثاني ... إلى هنا ليس في (ل) و (ب)، والمثبت من (ط).
(¬3) يمتارون: يجلبون الطعام.
(¬4) الحوارى الدقيق الأبيض وهو لباب الدقيق.
(¬5) انظر "المنتظم" 1/ 273 - 274، و"التبصرة" 1/ 109.
(¬6) انظر "التبصرة" 1/ 109، و"المنتظم" 1/ 274.
(¬7) انظر "الطبقات" 1/ 47.
(¬8) أخرجه ابن الجوزي في "المنتظم" 1/ 274.

الصفحة 403