كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 1)

{بَلَغَ بَينَ السَّدَّينِ} قال وهب: وهما جبلان مَنِيعان رأسهما في السماء، ومن ورائهما البحر (¬1).
قوله تعالى: {لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا} [الكهف: 93] أي: لا يفهمونه إلَّا بعد إبطاء {قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَينِ} فإن قيل: فقد أخبر عنهم أنهم لا يفقهون: أي: لا يفهمون قولًا، ثم قال: {قَالُوا}، قلنا: كلَّمهُ عنهم ترجمان يفهم ما يقول، وذلك جائز. وهؤلاء القائلون هم دون سدِّ يأجوج ومأجوج {يَاذَا الْقَرْنَينِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ} [الكهف: 94] أصل يأجوج ومأجوج من أجيج النَّار، وهو ضوؤها ولهبها، شُبِّهوا به لكثرتهم وشدَّتهم.
واختلفوا فيهم على أقوال:
أحدها: أنهم من ولد يافث بن نوح، قاله مجاهد.
والثاني: أنهم من غير حوَّاء، وذلك لأنَّ آدم نام ذات يوم فاحتلم، فامتزجت نطفته بالتُّراب، فلما انتبه أسف على ذلك الماء الذي خرج منه، فخلق الله من ذلك الماء يأجوج ومأجوج، فهم متصلون بنا من جهة الأب دون الأم، حكاه الثعلبي عن كعب الأحبار (¬2).
والثالث: أنهم جبل من الترك، قاله الضحاك (¬3). وذكرهم الجوهري فقال: الأجيج: تلهب النار (¬4).
وقال علي - عليه السلام -: منهم من طوله شبر، ومنهم مفرط الطول، ولهم شعور تواويهم، ومنهم من وجهه وجه كلب ووجه أسد ودبٍّ ونحو ذلك (¬5).
¬__________
(¬1) انظر "التبصرة" 1/ 168.
(¬2) تفسير الثعلبي 6/ 193، قال ابن كثير في البداية والنهاية 2/ 553، والتفسير 3/ 104: ومن زعم أن يأجوج ومأجوج خلقوا من نطفة آدم ... فهذا قول غريب جدًّا، ثم لا دليل عليه لا من عقل ولا من نقل، بل هو مخالف لما ذكرناه من أن جميع النَّاس اليوم من ذرية نوح بنص القرآن.
(¬3) انظر "زاد المسير" 5/ 190.
(¬4) "الصحاح": (أجج).
(¬5) قال ابن كثير في البداية والنهاية 2/ 553: فكل هذه أقوال بلا دليل ورجم بالغيب بغير برهان.

الصفحة 453