كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 1)

والثاني: لأنهن بغين عليها، والبغي مصرع، فعوقبن بقطع الأيدي.
{وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا} [يوسف: 31] أي: ببشر {قَالتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} أي: في حبي له. ثم أخبرتهن بما هو أحسن من الصورة الظاهرة، وهو العفاف الباطن، وأقرَّت فقالت: {وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} أي: امتنع واستعصى عليَّ، فقلن له: أطع مولاتك، فقالت راعيل: {وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ} أي: يطاوعني فيما دعوته إليه {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ} [يوسف: 32] أي: الأذلاء.
وقال مجاهد: ولما راودته ثانيًا اختار السجن على مباشرة المعصية، فقال: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيهِنَّ} أي: أميل وأتابعهن {وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [يوسف: 33] أي: العاصين.
فإن قيل: إنما راودته راعيل، وهي واحدة، فكيف قال: {مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيهِ} فالجواب: إنهن أشرن عليه، فانصرف الكلام إليها وإليهن {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34)} [يوسف: 34] بمكرهنَّ.

فصل في سجنه
قال الله تعالى: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ} أي: للعزيز وأصحابه {مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ} وهي شهادة الطفل، وقدُّ القميص من دُبر، وقطعُ النسوة أيديهن {لَيَسْجُنُنَّهُ} [يوسف: 35] وهذه لام اليمين. والحين: الوقت، والمراد به ها هنا: سبع سنين، وقال الكلبي: خمس سنين، والأول أصح.
وقال السُّدي: قالت المرأة لزوجها إن هذا العبد العبراني قد فضحني بين النَّاس، يقول: راودتني عن نفسي، فإما أن تأذن لي أن أخرج فأعتذر، وإما أن تحبسه كما حبستني، فحبسه بعد علمه ببراءته، فجعل الله الحبس تطهيرًا ليوسف من همِّه بالمرأة وتكفيرًا لزلته (¬1).
وقال ابن عباس: عثر يوسف ثلاث عثرات: حين همَّ بها فسجن، وحين قال للساقيَ: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف: 42] فلبث في السجن بضع سنين وأنساه
¬__________
(¬1) "عرائس المجالس" 124.

الصفحة 493