كتاب معركة النص (اسم الجزء: 1)

وقد كَسَر أيَّ استغلالٍ لنظريته في المقاصد بأن قرَّر بكل وضوح: (أنَّ من أخذ بالجزئي معرضًا عن كليِّه فهو مخطئ، كذلك من أخذ بالكلي معرضًا عن جزئيه) (¬1). فلا مكان لنظريته المقاصدية لمنطق نسف الجزئيات تمسكًا بالمقاصد.
ثمَّ صعد بالدليل الجزئي لأعلى درجات الأهمية والاحتياط حين جعل ثبوته كافيًا لجعله أصلًا برأسه: فـ (كلُّ دليل شرعي يمكن أخذه كليًا وسواء علينا أكان كليًا أم جزئيًا إلا ما خصَّه الدليل) (¬2).
واتباع الهوى: مزلق خطر ينحرف بالشريعة عن أصل وضعها؛ فـ: (المقصد الشرعي من وضع الشريعة إخراج المكلف عن داعية هواه حتى يكون عبدًا للَّه اختيارًا كما هو عبد اللَّه اضطرارًا) (¬3).
وتفريعًا على هذا الأصل شدد الشاطبي على حرمة اتباع رخص الفقهاء في الأقوال الفقهية لأن: (تتبع الرخص ميلٌ مع أهواء النفوس والشرع جاء بالنهي عن اتباع الهوى فهذا مضاد لذلك الأصل المتفق عليه) (¬4).
وأوجب على المفتي أن يختار للمستفتي أرجح القولين، ولا يفتيه بجميع القولين معًا حتى لا يكون هذا سببًا لاتباع الهوى في الأحكام: (فإِنه إذا أفتى بالقولين معًا على التخيير فقد أفتى في النازلة بالإِباحة وإطلاق العنان وهو قول ثالث خارج عن القولين) (¬5).
¬__________
(¬1) الموافقات: 3/ 8.
(¬2) الموافقات: 3/ 45.
(¬3) الموافقات: 2/ 469.
(¬4) الموافقات: 4/ 511.
(¬5) الموافقات: 4/ 509.

الصفحة 48