كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 1)

فَلَمَّا عَادَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْ هَذِهِ الرِّحْلَةِ بَدَأَ سَعْيُهُ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ، وَقَدِ اشْتَغَلَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي صِبَاهُ بِرَعْي الغَنَمِ، وَرَعَاهَا لِبَعْضِ أَهْلِ مَكَّةَ، وَبِذَلِكَ ضَرَبَ مَثَلًا عَالِيًا مِنْ صِغَرِهِ فِي اكْتِسَابِ الرِّزْقِ بِالْكَدِّ، وَالتَّعَبِ.
قَالَ أَحْمَد شَوْقِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ فِي شَبَابِهِ ... لَا يَدَعُ الرِّزْقَ وَطَرْقَ بَابِهِ
أَيُّ رسُولٍ أَوْ نَبِيٍّ قَبْلَهُ ... لَمْ يَطْلُبِ الرِّزْقَ وَيَبْغِ سُبْلَهُ؟
مُوسَى الكَلِيمُ اسْتُؤْجِرَ اسْتِئْجَارًا ... وَكَانَ عِيسَى (¬1) فِي الصِّبَا نَجَّارًا
رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَالَ: "مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الغَنَمَ"، فقَالَ أصْحَاُبهُ: وأنْتَ؟ فقَالَ: "نَعَمْ، كنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ (¬2) لِأَهْلِ مَكَّةَ" (¬3).
ورَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ في الأَدَبِ المُفْرَدِ والطَّيَالِسِيُّ في مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدَةَ بْنِ حَزْنٍ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: قَالَ رسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بُعِثَ مُوسَى وَهْوُ رَاعِي غَنَمٍ،
¬__________
(¬1) لم يَثْبُتْ أَنَّ عيسى عليهِ السَّلامُ كان نَجارًا، وإنما كان كما قال اللَّه تَعَالَى في كتابه الكريم عنه: أنه يَشْفي المَرضى، ويُبْرِئُ الأكمه، ويُحْيِي الموتى بإذن اللَّه.
وثبت في صحيح مسلم - رقم الحديث (2379) عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كَانَ زَكَرِيَّا نجارًا".
(¬2) قال الحافظ في الفتح (5/ 199): القِيرَاطُ: هو جُزْءٌ من الدِّينارِ والدِّرهم.
(¬3) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب السلم - باب الإجارة رقم الحديث (2262).

الصفحة 113