كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 1)

بِنَاءُ الكَعْبَةِ وَدَرْءُ فِتْنَةٍ عَظِيمَةٍ
الكَعْبَةُ (¬1) هِيَ أَوَّلُ بَيْتٍ بُنِيَ لِعِبَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الأَرْضِ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} (¬2).
رَوَى الشَّيْخَانِ في صحِيحَيْهِمَا عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: قُلْتُ يا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ في الأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ: "المَسْجِدُ الحَرَامُ" (¬3).
وقَدْ تَعَرَّضَتِ الكَعْبَةُ لِلْعَوَادِي التِي زَعْزَعَتْ بُنْيَانَهَا، وَصَدَّعَتْ جُدْرَانَهَا، وَقَبْلَ بِعْثَةِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِخَمْسِ سِنِينَ (¬4) جَرَفَ مَكَّةَ سَيْلٌ عَرِمٌ انْحَدَرَ إِلَى البَيْتِ الحَرَامِ، فَأَوْشَكَتِ الكَعْبَةُ مِنْهُ عَلَى الِانْهِيَارِ، وكَانَ قَدْ أَصَابَهَا مِنْ قَبْلُ حَرِيقٌ
¬__________
(¬1) كلُّ شيءٍ عَلا وارْتَفَعَ فهو كَعْبٌ, ومنه سُمِّيَت الكَعْبَة، للبيتِ الحرامِ، وقيلَ: سُمِّيَتْ به لتَكَعُّبِهَا أي تَرْبِيعِهَا. انظر النهاية (4/ 155).
(¬2) سورة آل عمران آية (96).
(¬3) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب الأنبياء - رقم الحديث (3366) - ومسلم في صحيحه - كتاب المساجد ومواضع الصلاة - رقم الحديث (520).
(¬4) اختلف في وقتِ بِنَاءِ الكعبةِ، فروى عبد الرزاق في "مصنفه" رقم الحديث (9103) عن ابن جريج عن مُجَاهد قال: . . حتى إذا كان قبل مبعث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بخمسة عشر سنة، بنته قريش. . وبه جزم موسى بن عُقبة في مَغَازِيهِ، والذي جزم به ابن إسحاق أَنَّ بُنْيَانَ الكعبةِ كان قَبْلَ المَبْعَثِ بخمْسِ سِنِينَ.
قال الحافظ في الفتح (4/ 233): وقول ابن إسحاق أشهر، ويُمكنُ الجَمْعُ بينهما بأنْ يكُونَ الحَريقُ تقدَّم وقتُهُ على الشُّرُوعِ في البِنَاءِ.

الصفحة 134