كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 1)

يَضَعُهُ، فَكُلُّ قَبِيلَةٍ تُرِيدُ أَنْ تَحْظَى بِهَذَا الشَّرَفِ، حتَّى كَادَتِ الحَرْبُ أَنْ تَشْتَعِلَ بَيْنَهُمْ في أَرْضِ الحَرَمِ، فَهُنَا قَامَتْ بَنُو عَبْدِ الدَّارِ، وقَرَّبُوا جَفْنَةً مَمْلُوءَةً بِالدَّمِ وتَعَاقَدَتْ هِيَ وبَنُو عَدِيِّ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيٍّ عَلَى المَوْتِ، وأَدْخَلُوا أَيْدِيَهُمْ فِي تِلْكَ الجَفْنَةِ فَسُمُّوا (لَعْقَةَ الدَّمِ).
فَمَكَثَتْ قُرَيْشٌ عَلَى ذَلِكَ أرْبَعَ لَيَالٍ، أَوْ خَمْسًا، حتَّى أَلْهَمَ اللَّهُ تَعَالَى أَحَدَ عُقَلَائِهِمْ وَهُوَ (أَبُو أُمَيَّةَ بنُ المُغِيرَةِ المَخْزُومِيُّ)، وَالِدُ أمِّ المُؤْمِنِينَ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَكَانَ عَامَئِذٍ أَسَنَّ رَجُلٍ في قُرَيْشٍ، فقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُريشٍ اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ فِيمَا تَخْتَلِفُونَ فِيهِ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ (¬1) فَرَضُوا وقَبِلُوا هَذَا الرَّأْيَ جَمِيعًا.

* صَاحِبُ العَقْلِ الكَبِيرِ:
فَأَشْخَصُوا أبْصَارَهُمْ إلى بَابِ المَسْجِدِ، واشْرَأَبَّتِ (¬2) الأَعْنَاقُ إِلَى مَنْ يَا تُرَى يَكُونُ هَذَا الدَّاخِلُ، فَإِذَا بهِ الصَّادِقُ الأَمِينُ رسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، كَأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى أَرْسَلَهُ لِيُخَلِّصَ قُرَيْشًا مِنْ هَذَا الشَّرِّ المُسْتَطِيرِ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: هَذَا الأَمِينُ رَضِينَا، هَذَا مُحَمَّدٌ.
فَلَمَّا انتهَى إِلَيْهِمْ أخْبَرُوهُ الخَبَرَ، فَلَمْ يَلْبَثْ رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حَتَّى أَعْطَاهُمُ
¬__________
(¬1) المعروفُ اليوم ببابِ السَّلام.
(¬2) اشْرَأَبَّتْ: أي ارتفعَتْ. انظر النهاية (2/ 408).

الصفحة 138