كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 1)

الحَلِّ العَظِيمِ، فقَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هَلُمَّ إِلَيَّ ثَوْبًا"، فَأُتِيَ بِهِ فَأَخَذَ الحَجَرَ الأَسْوَد فَوَضَعَهُ فِيهِ بِيَدِهِ الشَّرِيفَةِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثُمَّ قَالَ: "لِتَأْخُذْ كُلُّ قَبِيلَةٍ بِنَاحِيَةٍ مِنَ الثَّوْبِ، ثُمَّ ارْفَعُوهُ جَمِيعًا"، فَفَعَلُوا حَتَّى إِذَا بَلَغُوا بِهِ مَوْضِعَهُ، وَضَعَهُ رسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- هُوَ بِيَدِهِ الشَّرِيفَةِ ثُمَّ بُنِيَ عَلَيْهِ (¬1).
وهَكَذَا دَرَأَ (¬2) رسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- الحَرْبَ عَنْ قُرَيْشٍ، بِحِكْمَةٍ لَيْسَتْ فَوْقَهَا حِكْمَةٌ، وكَانَتْ مُقَدِّمَةُ دَرْئِهِ لِلْحُرُوبِ، والشُّرُورِ عَنِ الشُّعُوبِ، وَالأُمَمِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ، بِحِكْمَتِهِ وتَعَالِيمِهِ ورِفْقِهِ، وتَلَطُّفِهِ في الأُمُورِ، والإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ، فَيَكُونُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، كَمَا كَانَ رَحْمَةً لِلْمُتَخَاصِمِينَ، والمُتَحَارِبِينَ فِي قَوْمٍ بُسَطَاءَ أُمِّيِّينَ (¬3).

* ضِيقُ النّفَقَةِ الحَلَالِ:
ومَعَ جُهْدِ قُرَيْشٍ في بِنَاءَ الكَعْبَةِ، فَقَدْ ضَاقَتْ بِهِمْ النَّفَقَةُ الطَّيِّبَةُ عَنْ إتْمَامِ البَيْتِ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ عَلَيهِ السَّلامُ، فَاضْطُرُّوا إِلَى أنِ يَقْتَطِعُوا مِنْهُ قِطْعَةً مِنْ جِهَتِهِ الشَّمَالِيَّةِ، وبَنَوْا عَلَى هَذَا الجُزْءَ الذِي احْتَجَزُوهُ جِدَارًا قَصِيرًا لِلْإِعْلامِ أَنَّهُ
¬__________
(¬1) أخرج تفاصيل تحكيم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في وضع الحجر الأسود: الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (15504) - والطحاوي في شرح مشكل الآثار - رقم الحديث (5596) - والطيالسي في مسنده - رقم الحديث (115) - والحاكم في المستدرك رقم الحديث (1726) (1727) - وعبد الرزاق الصنعاني في مصنفه - رقم الحديث (9106) - وإسناده صحيح.
(¬2) دَرَأَ: دَفَعَ. انظر لسان العرب (4/ 314).
(¬3) انظر السِّيرة النَّبوِيَّة لأبي الحسن النَّدْوي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ص 112.

الصفحة 139