كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 1)

تُوُفِّيَ، وله مِنَ العُمُرِ ثَمَانِ سِنِينَ، فكَفِلَهُ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ، ثمَّ لَمْ يَزَلْ يَحُوطُهُ ويَنْصُرُهُ ويَرْفَعُ مِنْ قَدْرر ويُوَقِّرُهُ، ويَكُفُّ عَنْهُ أَذَى قَوْمِهِ بَعْدَ أَنْ ابْتَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً مِنْ عُمُرِهِ، هذَا وأبُو طَالِبٍ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ مِنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ، وكُلّ ذَلِكَ بِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُسْنِ تَدْبِيرِهِ، إلى أَنْ تُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ قَبْلَ الهِجْرَةِ بِقَلِيلٍ، فأقْدَمَ عَلَيْهِ سُفَهَاءُ قُرَيْشٍ وَجُهَّالُهُمْ، فاخْتَارَ اللَّهُ تَعَالَى لَه الهِجْرَةَ مِنْ بَيْنِ أظْهُرِهِمْ إِلَى بَلَدِ الأَنْصَارِ مِنَ الأَوْسِ والخَزْرَجِ، كَمَا أجْرَى اللَّهُ تَعَالَى سُنَّتَهَ عَلَى الوَجْهِ الأَتَمِّ والأَكْمَلِ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهِمْ آوَوْهُ، وَنَصَرُوهُ، وحَاطُوهُ، وقَاتَلُوا بَيْنَ يَدَيْهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أجْمَعِينَ، وكُلُّ هَذَا مِنْ حِفْظِ اللَّهِ تَعَالَى لَه وَكَلَاءَتِهِ وعِنَايَتِهِ بِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1).

* بُغّضَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- الأصْنَامُ:
ونَشَأَ -صلى اللَّه عليه وسلم- سَلِيمَ العَقِيدَةِ، صَادِقَ الإيمَانِ، عَمِيقَ التَّفَكُّرِ، غَيْرَ خَاضِعٍ لِتُرَّهَاتِ الجَاهِلِيَّةِ، فَمَا عُرِفَ عَنْهُ أَنَّهُ سَجَدَ لِصَنَمٍ قَطُّ، أَوْ تَمَسَّحَ بِهِ، أَوْ ذَهَبَ إلى عَرَّافٍ أَوْ كَاهِنٍ، بَلْ بُغِّضَ إِلَيْهِ عِبَادَةُ الأَصْنَامِ، والتَّمَسُّحُ بِهَا، رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: حَدَّثَنِي جَارٌ لِخَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهُ سَمعَ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَهُوَ يَقُولُ لِخَدِيجَةَ: "أَيْ خَدِيجَةُ، وَاللَّهِ لَا أَعْبُدُ اللَّاتَ، وَاللَّهِ لَا أَعْبُدُ العُزَّى أَبَدًا". قَالَ: فتَقُولُ خَدِيجَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: خَلِّ اللَّاتَ، خَلِّ العُزَّى (¬2).
¬__________
(¬1) انظر تفسير ابن كثير (8/ 426).
(¬2) أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (17947).

الصفحة 143