كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 1)

نَرْعَاهَا: أبْصِرْ لِي غَنَمِي حتَّى أسْمُرَ (¬1) هذِهِ اللَّيْلةَ كَمَا يَسْمُرُ الفِتْيَانُ، قَالَ: نَعَمْ، فَخَرَجْتُ، فلَمَّا جِئْتُ أدْنَى دَارٍ مِنْ دُورِ مَكَّةَ، سَمِعْتُ غِنَاءً وصَوْتَ دُفُوفٍ ومَزَامِيَر، قُلْتُ: ما هَذَا؟
قالُوا: فُلَانٌ تَزَوَّجَ فُلَانَةً، لِرَجُلٍ منْ قُرَيْشٍ تَزَوَّجَ امْرَأةً مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَهَوْتُ بذَلِكَ الغِنَاءَ وبذَلِكَ الصَّوْتِ حتَّى غَلَبَتْنِي عَيْنِي، فَنِمْتُ، فمَا أيْقَظَنِي إِلَّا مَسُّ الشَّمْسِ، فَرَجَعْتُ إلى صَاحِبِي، فقَالَ: مَا فَعَلْتَ؟
فأخْبَرْتُهُ، ثُمَّ فَعَلْتُ لَيْلَة أُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، فَخَرَجْتُ، فَسَمِعْتُ مِثْلَ ذلكَ، فَقِيلَ لِي مِثْلَ ما قِيلَ لِي، فسَمِعْتُ كَمَا سَمِعْتُ، حتَّى غَلَبَتْنِي عَيْنِي، فمَا أيْقَظَنِي إِلَّا مَسُّ الشَّمْسِ، ثُمَّ رَجَعْتُ إلى صَاحِبِي، فَقَالَ لِي: مَا فَعَلْتَ؟
فقُلْتُ: مَا فَعَلْتُ شَيْئًا".
قَالَ رسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فَوَاللَّهِ ما هَمَمْتُ بَعْدَهُمَا بِسُوءِ مِمَّا يَعْمَلُهُ أَهْلُ الجَاهِلِيَّةِ حتى أكْرَمَنِي اللَّهُ بِنُبُوَّتهِ" (¬2).

* كَانَ رسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقِفُ بِعَرَفَةَ معَ النَّاسِ:
وَكَانَ رسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقِفُ مَعَ النَّاسِ بَعَرَفَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ، وذَلِكَ
¬__________
(¬1) السَّمَرُ: همُ القومُ الذينَ يَسْمَرُونَ بالليلِ أي يَتَحَدَّثُونَ. انظر النهاية (2/ 359).
(¬2) أخرجه ابن حبان في صحيحه - كتاب التاريخ - باب بدء الخلق - رقم الحديث (6272) - والحاكم في المستدرك - كتاب التوبة والإنابة - باب عصمة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من عمل الجاهلية قبل النبوة - رقم الحديث (7693).

الصفحة 147