كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 1)

ولمَّا قَالَ هِرَقْلُ مَلِكُ الرُّومِ لِأَبِي سُفْيَانَ بنَ حَرْبٍ -وَكَانَ لَمْ يَزَلْ مُشْرِكًا-: هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قَالَ: لَا، فقَالَ هِرَقْلُ: فَقَدْ عَرَفْتُ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ الكَذِبَ عَلَى النَّاسِ، ويَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ (¬1).
قَالَ أحْمَد شَوْقي رَحِمَهُ اللَّهُ:
بِسِوَى الأَمَانَةِ في الصِّبَا والصِّدْقِ لَمْ ... يَعْرِفْهُ أَهْلُ الصِّدْقِ والأُمَنَاءُ
يا مَنْ لَهُ الأَخْلَاقُ مَا تَهْوَى الْعُلَا ... مِنْهَا ومَا يَتَعَشَّقُ الكُبَرَاءُ
لَوْ لَمْ تَقُمْ دِينًا لَقَامَتْ وَحْدَهَا ... دِينًا تُضِيءُ بِنُورِهِ الآنَاءُ
زَانَتْكَ فِي الخُلُقِ العَظِيمِ شَمَائِلٌ ... يُغْرَى بِهِنَّ ويُولَعُ الكُرَمَاءُ

* كان رسُوُل اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَصُولًا للرَّحِمِ:
وَكَانَ رسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى ذَلِكَ كُلِّهِ، وَصُولًا لِلرَّحِمِ، عَطُوفًا عَلَى الفُقَرَاءِ، وذَوِي الحَاجَةِ، ويُقْرِي الضَّيْفَ، ويُعِينُ الضَّعِيفَ، ويَمْسَحُ بِيَدَيْهِ بُؤْسَ البَائِسِينَ، ويُفَرِّجُ كَرْبَ المَكْرُوبِينَ، وقَدْ وَصَفَتْهُ بهَذَا أُمُّ المُؤْمِنِينَ خَدِيجَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا في بَدْءِ الوَحْيِ، فقالتْ: كَلَّا وَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ (¬2)، وتُكْسِبُ المَعْدُومَ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ (¬3).
¬__________
(¬1) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب بدء الوحي - باب كيف كان بدء الوحي إلى الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- رقم الحديث (7) - ومسلم في صحيحه - كتاب الجهاد والسير - باب كتاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى هرقل. . - رقم الحديث (1773).
(¬2) قال الإمام النووي في شرح مسلم (2/ 174): الكَلُّ: بفتح الكاف، وأصلُهُ الثِّقَلُ، ويدخل في حَمْلِ الكَلِّ الإنفاقُ علي الضَّعِيفِ، واليتيمِ والعِيَالِ، وغير ذلك.
(¬3) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب بدء الوحي - باب رقم (3) - رقم الحديث (3) - =

الصفحة 149