كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 1)

إِرْهَاصَات (¬1) البِعْثَةِ
* حَجْبُ الشَّيَاطِينِ عَنِ اسْتِرَاقِ (¬2) السَّمْعِ عِنْدَ قُرْبِ مَبْعَثِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-:
قال ابنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا تَقَارَبَ أمْرُ رسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وحَضَرَ مَبْعَثُهُ، حُجِبَتِ الشَّيَاطِينُ عَنِ السَّمْعِ، وحِيلَ (¬3) بَيْنَهَا وبَيْنَ المَقَاعِدِ التِي كَانَتْ تَقْعُدُ لِاستِرَاقِ السَّمْعِ فِيهَا، فَرُمُوا بالنُّجُومِ، فَعَرَفَتِ الجِنُّ أَنَّ ذلِكَ لِأَمْرٍ حَدَثَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ فِي العِبَادِ، يقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- حِينَ بَعَثَهُ، وهُوَ يَقُصُّ علَيْهِ خَبَرَ الجِنِّ إذْ حُجِبُوا عَنِ السَّمْع، فَعَرَفُوا ما عَرَفُوا، ومَا أنْكَرُوا مِنْ ذَلِكَ حِينَ رَأَوْا مَا رَأَوْا: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2) وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3) وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5) وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} (¬4) إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:
¬__________
(¬1) الإرهَاصَاتُ: أي المُقَدِّمَاتُ. انظر لسان الرب (5/ 343).
(¬2) تَسْتَرِقُ السَّمْعَ: من السَّرِقَةِ، أي أنها تَسْتَمِعُ الخبرَ مِنَ السَّماءِ مُخْتَفِيَةً كَمَا يفعلُ السَّارقُ. انظر النهاية (2/ 326).
(¬3) قال الحافظ في الفتح (9/ 674): حِيلَ: بكسر الباء أي حُجِرَ ومُنِعَ.
(¬4) سورة الجن آية (1 - 6).

الصفحة 154