كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 1)

{وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9) وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} (¬1).
فَلَمَّا سَمِعَتِ الجِنُّ القُرْآنَ عَرَفَتْ أَنَّهَا إِنَّمَا مُنِعَتْ مِنَ السَّمْعِ قَبْلَ ذلِكَ، لِئَلَّا يَشْكُلَ الوَحْيُ بِشَيْءٍ مِنْ خَبَرِ السَّمَاءِ، فَيَلْتَبِسَ عَلَى أهْلِ الأَرْضِ ما جَاءَهُمْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فيهِ، لِوُقُوعِ الحُجَّةِ، وقَطْعِ الشُّبْهَةِ، فآمَنُوا وصَدَّقُوا، ثُمَّ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ، {قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ} (¬2).

* مَتَى حَدَثَ هَذَا الرَّصدُ (¬3)؟ :
اخْتُلِفَ في هَذَا الرَّصْدِ هَلْ كَانَ قَبْلَ البِعْثَةِ أمْ بَعْدَهَا؟ وهَلْ كَانَ مُسْتَمِرًّا أمْ عَلَى فَتَرَاتٍ؟
رَوَى الشَّيْخانِ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَا قَرَأَ رسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عَلَى الجِنِّ وَمَا رَآهُمْ (¬4)، انْطَلَقَ رسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ
¬__________
(¬1) سورة الجن آية (9 - 10).
(¬2) سورة الأحقاف آية (29 - 30) - وانظر الخبر في سيرة ابن هشام (1/ 241 - 242).
(¬3) التَّرَصُّدُ: التَّرَقُّبُ. انظر لسان العرب (5/ 223).
(¬4) قال البيهقي في دلائل النبوة (2/ 227): وهذا الذي حكاه ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنما هو في أوَّل ما سمعت الجنّ قِراءة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وعلِمَتْ بحَالِهِ، وفي ذلك الوقتِ لمْ يَقْرَأ عليهم، ولم يَرَهُمْ، كما حكاه، ثم أتَاهُ داعِي الجِنِّ مرَّة أُخرى، فذهب معهُ، وقرأ عليهمُ القُرْآن، كما حكاه عبدُ اللَّه بن مسعودٍ -رضي اللَّه عنه-، ورأى آثارهُمْ، وآثَارَ نِيرَانِهِمْ، واللَّهُ أعلمُ.=

الصفحة 155