كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 1)

إلَى أنْ بَعَثَهُ اللَّهُ رَسُولًا كَرِيمًا، ثُمَّ نَعْرِفُ بِشَكْلٍ أدَقَّ وَأوْضَحَ وأكْمَلَ كُلَّ أحْوَالِهِ بَعْدَ ذَلِكَ سَنَةً فَسَنَةً، مِمَّا يَجْعَلُ سِيرَتَهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَاضِحَةً وُضُوحَ الشَّمْسِ، كمَا قَالَ بَعْضُ النُّقَّادِ الغَرْبِيِّينِ: إنَّ مُحَمَّدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- هُوَ الوَحِيدُ الذِي وُلدَ عَلَى ضَوْءِ الشَّمْسِ.
وهَذَا مَا لَمْ يَتيَسَّرْ مِثْلُهُ ولا قَرِيبٌ مِنْهُ لِرَسُولٍ مِنْ رُسُلِ اللَّهِ السَّابِقِينَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ، فَمُوسَى عَليهِ السَّلامُ لا نَعْرِفُ شَيْئًا قَطُّ عَنْ طفولَتِهِ وشَبَابِهِ وطُرُقِ مَعِيشَتِهِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ، ونَعْرِفُ الشَّيءَ القَلِيلَ عَنْ حَيَاتِهِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ، مِمَّا لا يُعْطِينَا صُورَةً مُكْتَمِلَةً لِشَخْصِيَّتهِ، ومِثْلُ ذَلِكَ يُقَالُ في عِيسَى عَليهِ السَّلامُ، وغَيْرِهِمْ مِنَ الأنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَأَيْنَ هَذَا مِمَّا تَذْكُرُهُ مَصَادِرُ السِّيرَةِ الصَّحِيحَةِ مِنْ أدَقِّ التَّفَاصِيلِ في حَيَاةِ رَسُولنَا -صلى اللَّه عليه وسلم- الشَّخْصِيَّةِ، كَأَكْلِهِ (¬1)، وقِيَامِهِ وقعودِهِ (¬2)، ولبَاسِهِ (¬3)، وشكلِهِ (¬4)، . . .
¬__________
(¬1) روى الإِمام مسلم في صحيحه -رقم الحديث (2032) عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه قال: رأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يَلْعَقُ -أي يلحسُ- أصابعَهُ الثَّلاث من الطعام.
وروى الإِمام البخاري في صحيحه -رقم الحديث (5398) عن أبي جحيفة -رضي اللَّه عنه- قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنِّي لا آكُلُ مُتَّكِئًا".
(¬2) روى الإِمام البخاري في صحيحه -رقم الحديث (475) - ومسلم في صحيحه -رقم الحديث (2100) - عن عبّاد بن تميم، عن عمه: أنه رأى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مُسْتَلْقِيًا في المسجد وَاضِعًا إحْدَى رِجْلَيْهِ على الأخرى.
(¬3) روى الإِمام أحمد في مسنده -رقم الحديث (7117) - بسند صحيح عن أبي رِمثة قال: رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وعليه بُرْدَانِ أخْضَرَانِ.
(¬4) روى الإِمام البخاري في صحيحه -رقم الحديث (3548) - ومسلم في صحيحه -رقم =

الصفحة 21