كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 1)

أُمَيْمَةٌ، فكانَ يُكْرِهُهُمَا عَلَى الزِّنَى، فَشَكَتَا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (¬1).
وَكَانَتِ المَرْأَةُ في المُجتَمَعِ الجَاهِلِيِّ عُرْضَةَ غَبْنٍ (¬2) وحَيْفٍ (¬3)، تُؤْكَلُ حُقُوقُهَا، وتُبْتَزُّ (¬4) أَمْوَالُهَا، وتُحْرَمُ إرْثَهَا، وتُعْضَلُ (¬5) بَعْدَ الطَّلَاقِ، أَوْ وَفَاةِ الزَّوْجِ مِنْ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا تَرْضَاهُ، وتُورَثُ كَمَا يُورَثُ المَتَاعُ أَوِ الدَّابَّةُ.

* وَأْدُهُمُ البَنَاتِ:
وقَدْ بَلَغَتْ كَرَاهَةُ البَنَاتِ إِلَى حَدِّ الوَأْدِ (¬6)، ذَكَرَ الهَيْثَمُ بنُ عَدِي، عَلَى مَا حَكَاهُ عَنْهُ المَيْدَانِيُّ أنَّ الوَأْدَ كَانَ مُسْتَعْمَلًا في قَبائِلِ العَرَبِ قَاطِبَةً، فكَانَ يَسْتَعْمِلُهُ وَاحِدٌ ويَتْرُكُهُ عَشَرَةٌ، فجَاءَ الإِسْلَامُ، وكَانَتْ مَذَاهِبُ العَرَبِ مُخْتَلِفَةً في وَأْدِ البَنَاتِ، فَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَئِدُ البَنَاتِ لِمَزِيدِ الغَيْرَةِ، ومَخَافَةِ لُحُوقِ العَارِ بِهِمْ مِنْ أجْلِهِنَّ، ومِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَئِدُ مِنَ البَنَاتِ مَنْ كَانَتْ زَرْقَاءَ، أَوْ شَيْمَاء (¬7)،
¬__________
(¬1) أخرجه الإِمام مسلم في صحيحه -كتاب التفسير- باب في قوله تَعَالَى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} - رقم الحديث (3029) (27).
(¬2) الغَبْنُ: النسيان. انظر لسان العرب (10/ 15).
(¬3) الحَيْف: الميل في الحكم، والجور والظلم. انظر لسان العرب (3/ 420).
(¬4) تُبْتَزُّ أمْوَالهَا: أي تُسْلَبُ أمْوَالها. انظر لسان العرب (1/ 399).
(¬5) تُعْضَلُ: أي تُمْنَعُ. انظر النهاية (3/ 230).
(¬6) وَأْدُ البناتِ: قتلُهُنَّ: كان إذا وُلد لأحدهم في الجاهلية بنت دفنَهَا في التُّراب وهي حَيَّة، خشية العارِ. انظر النهاية (5/ 125).
(¬7) شَيْمَاءُ: أي سَوْداءُ. انظر لسان العرب (7/ 262).

الصفحة 33