كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 1)

قَالَ: قُلْتُ: وَمَا بَرَّةُ؟ قَالَ: ثُمَّ ذَهَبَ عَنِّي، فَلَمَّا كَانَ الغَدُ رَجَعْتُ إِلَى مَضْجِعِي، فَنِمْتُ فِيهِ، فَجَاءَنِي فَقَالَ: احْفِرِ المَضْنُونَةَ (¬1) قَالَ: قُلْتُ: ومَا المَضْنُونَةُ؟ قَالَ: ثُمَّ ذَهَبَ عَنِّي، فَلَمَّا كَانَ الغَدُ رَجَعْتُ إِلَى مَضْجِعِي، فَنِمْتُ فِيهِ، فجَاءَنِي فَقَالَ: احْفِرْ زَمْزَمَ (¬2) قَالَ: قُلْتُ: ومَا زَمْزَمُ؟ قال: لَا تُنْزَفُ (¬3) أبَدًا، ولَا تُذَمُّ (¬4) تَسْقِي الحَجِيجَ الأعْظَمَ، وهِيَ بَيْنَ الفَرْثِ (¬5) والدَّمِ، عِنْدَ نَقْرَةِ الغُرَابِ الأَعْصَمِ (¬6) عِنْدِ قَرْيَةِ النَّمْلِ (¬7).
قَالَ: فَلَمَّا بُيِّنَ لَهُ شَأْنَهَا، وَدُلَّ عَلَى مَوْضِعِهَا، وعَرَفَ أنَّهُ قَدْ صَدَقَ، غَدَا بِمِعْوَلِهِ، ومَعَهُ ابْنُهُ الحَارِثُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، ولَيْسَ لَهُ يَوْمَئِذٍ وَلَدٌ غَيْرُهُ، فَحَفَرَ فَلَمَّا بَدَا لِعَبْدِ المُطَّلِبِ الطَّيَّ، كَبَّرَ فَعَرَفَتْ قُرَيْشٌ أنَّهُ قَدْ أدْرَكَ حَاجَتَهُ، فَقَامُوا
¬__________
(¬1) قال السهيلي في الرَّوْض الأُنُف (1/ 258 - 259): لأنها ضُنَّ بها على غَيْرِ المُؤْمِنين، فلا يَتَضَلَّعُ منها مُنَافِقٌ، والتَّضَلُّعُ يعنِي مَنْ أكْثَرَ مِنَ الشُّربِ حتى تَمَدَّدَ جَنْبُهُ وأضْلَاعُهُ، فقد قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن آيةَ ما بيننا وبين المنافقينَ، أنهم لا يتضلَّعونَ من زمزم" رواه ابن ماجه في سننه - رقم الحديث (3061) وإسناده ضعيف.
(¬2) زمزَم: سُميت بذلك لكَثْرَةِ مائِهَا. انظر النهاية (2/ 282).
(¬3) لا تُنْزَفُ: بضم التاء وفتح الزاي: أي لا يَفْنَى ماؤُهَا على كثرةِ الاسْتِقَاءِ. النهاية (5/ 36).
(¬4) لا تُذَمُّ: أي لا تُعَابُ. انظر النهاية (2/ 156).
(¬5) الفَرْثُ: الكَرْشُ وما فِيهَا. لسان العرب (10/ 208).
(¬6) الغُرَابُ الأعْصَمُ: الذي في جنَاحَيْهِ بَيَاضٌ. انظر النهاية (3/ 226).
(¬7) قال الإمام السهيلي في الرَّوْض الأُنُف (1/ 261): أما قرية النَّمْلِ، ففيها مِنَ المُشاكَلَةِ أيضًا والمُنَاسَبَةِ: أَنَّ زمزمَ هيَ عَيْنُ مكَّةَ التي يَرِدُهَا الحَجيجُ، والعُمَّارُ مِنْ كُلِّ جانِبٍ، فيَحْمِلُونَ إليها البُرَّ والشَّعِيرَ، وغير ذلك وهي لا تُحْرَثُ ولا تُزْرعُ، وقريةُ النَّملِ لا تُحْرَثُ ولا تُبْذَرُ وتَجْلِبُ الحُبُوبَ إلى قَرْيَتِهَا مِنْ كُلِّ جانِبٍ.

الصفحة 53