كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 1)

وَنُزُولُ هذِهِ الآيَةِ مُتَأَخِّرٌ بَعْدَ قِصَّةِ الحُدَيْبِيَةِ بِلَا خِلَافٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ -رضي اللَّه عنه- هَذَا: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمَّا بَايَعَهُم قَرَأَ الآيَةَ كُلَّهَا (¬1)، وَعِنْدَ مُسْلِمٍ فِي صَحِيحِهِ قَالَ: فتَلَا عَلَيْنَا آيَةَ النِّسَاءِ قَالَ: {. . . أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} (¬2).
وَللطَّبَرَانِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ قَالَ عُبَادَةُ -رضي اللَّه عنه-: بَايَعنَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَلَى مَا بَايَعَ عَلَيْهِ النِّسَاءُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، ولمُسْلِمٍ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عُبَادَةَ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كَمَا أَخَذَ عَلَى النِّسَاءِ (¬3).
فَهَذِهِ أَدِلَّةٌ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّ هذِهِ البَيْعَةَ إِنَّمَا صَدَرَتْ بَعْدَ نُزُولِ الآيَةِ، بَلْ بَعْدَ صُدُورِ البَيْعَةِ، بَلْ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، . . . وَإِنَّمَا حَصَلَ الِالْتِبَاسُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ عُبَادَةَ بنَ الصَّامِتِ -رضي اللَّه عنه- حَضَرَ البَيْعَتَيْنِ مَعًا: بَيْعَةَ العَقَبَةَ الأُولَى، وَالبَيْعَةَ عَلَى مِثْلِ بَيْعَةِ النِّسَاءَ يَوْمَ الفَتْحِ، وَكَانَتْ بَيْعَةُ العَقَبَةِ مِنْ أَجْلِّ مَا يُمتَدَحُ بِهِ، فَكَانَ يَذْكُرُها إِذَا حَدَّثَ تَنْوِيهًا بِسَابِقَتِهِ، فَلَمَّا ذَكَرَ هذِهِ البَيْعَةَ التِي صَدَرَتْ عَلَى مِثْلِ بَيْعَةِ النِّسَاءِ عَقِبَ ذَلِكَ تَوَهَّمَ مَنْ لَمْ يَقِفْ عَلَى حَقِيقَةِ الحَالِ أَنَّ البَيْعَةَ الأوْلَى وَقَعَتْ عَلَى ذَلِكَ، وَالرَّاجِحُ أَنَّ التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ -بَأَنَّ بَيْعَةَ العَقَبَةِ الأوْلَى كَانَتْ عَلَى بَيْعَةِ
¬__________
(¬1) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب الحدود - باب الحدود كفارة - رقم الحديث (6784).
(¬2) أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الحدود - باب الحدود كفارات لأهلها - رقم الحديث (1709) (42)
(¬3) أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الحدود - باب الحدود كفارات لأهلها - رقم الحديث (1709) (43).

الصفحة 565