كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 1)

وَمَا يَوْمُ بُعَاثٍ بِبَعِيدٍ، وَقَدْ اكْتَوَوْا بِنَارِهَا، وَذَاقُوا مَرَارَتَهَا، وَعَافُوهَا، وَنَشَأَتْ فِيهِمْ رَغْبَةٌ فِي اجْتِمَاعِ الكَلِمَةِ، وَانْتِظَامِ الشَّمْلِ، وَالتّفادِي مِنَ الحُرُوبِ، وَذَلِكَ مَا عَبَّرُوا فِيهِ بِقَوْلِهِمْ: إِنَّا قَدْ تَرَكْنَا قَوْمَنَا، وَلَا قَوْمَ بَيْنَهُمْ مِنَ العَدَاوَةِ وَالشَّرِ مَا بَيْنَهُمْ، فَعَسَى أَنْ يَجْمَعَهُمُ اللَّهُ بِكَ، فَإِنْ يَجْمَعهُمُ اللَّهُ بِكَ، فَلَا رَجُلَ أَعَزَّ مِنْكَ (¬1).
وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَانَ يَوْمُ بُعَاثٍ يَوْمًا قَدَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2).
3 - وَمِنْهَا أَنَّ قُرَيْشًا، وَسَائِرَ العَرَبِ قَدْ طَالَ عَهْدُهُم بِالنُّبُوَّاتِ وَالأنْبِيَاءِ، وَأَصْبَحُوا يَجْهَلُونَ مَعَانِيهَا بِطُولِ العَهْدِ، وَبِحُكْمِ الأُمِّيَّةِ وَالإِمْعَانِ فِي الوَثَنِيَّةِ، وَالبُعْدِ عَن الأمَمِ التِي تَنْتَسِبُ إِلَى الأَنْبِيَاءِ، وَتَحْمِلُ الكُتُبَ السَّمَاوِيَّةَ -عَلَى مَا دَخَلَ فِيهَا مِنَ التَّحْرِيفِ وَالعَبَثِ- وَذَلِكَ مَا يُشِيرُ إِلَيْهِ القُرْآنُ بِقَوْلهِ تَعَالَى: {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ} (¬3).
أَمَّا الأوْسُ وَالخَزْرَجُ فكَانُوا يَسْمَعُونَ اليَهُودَ يتَحَدَّثُونَ عَن النُّبُوَّةِ وَالأنْبِيَاءِ، وَيَتْلُونَ صُحُفَ التَّوْرَاةِ وَيُفَسِّرُونَهَا، بَلْ كَانُوا يتَوَعَّدُونَهُمْ بِهِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ سَيبعَثُ نَبِيٌّ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، نَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَإِرَمٍ، وَفِي
¬__________
(¬1) انظر سيرة ابن هشام (2/ 42).
(¬2) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب المناقب - باب مناقب الأنصار - رقم الحديث (3777) - وأخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (24320).
(¬3) سورة يس آية (6).

الصفحة 577