كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 1)

مِمَا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَزْوَاجَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ، وَلَكُمُ الجَنَّةُ".
فأَخَذَ البَرَاءُ بنُ مَغرُورٍ -رضي اللَّه عنه- بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ، وَالذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، لَنَمْنَعَكَ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أُزُرَنَا (¬1)، فبايِعنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَنَحْنُ أَهْلُ الحُرُوبِ، وَأَهْلُ الحَلْقَةِ (¬2)، وَرِثْنَاها كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ.
فَاعْتَرَضَ القَوْلَ -وَالبَرَاءُ يُكَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَبُو الهَيْثَمِ بنُ التَّيِّهَانِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الرِّجَالِ -يَعنِي اليَهُودَ- حِبَالًا (¬3)، وَإِنَّا قَاطِعُوهَا، فَهَلْ عَسَيْتَ إِنْ نَحْنُ فَعَلْنَا ذَلِكَ، ثُمَّ أَظْهرَكَ اللَّهُ، أَنْ تَرْجِعَ إِلَى قَوْمِكَ وَتَدَعَنَا؟ .
فتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثُمَّ قَالَ: "بَلِ الدَّمُ الدَّمُ، وَالهَدْمُ الهَدْمُ (¬4)، أَنَا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مِنِّي، أُحَارِبُ مَنْ حَارَبْتُمْ، وَأُسَالِمُ مَنْ سَالَمْتُمْ".
فَقَالَ البَرَاءُ بنُ مَعْرُورٍ -رضي اللَّه عنه- لِلنَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: ابْسُطْ يَدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ نُبَايِعْكَ.
¬__________
(¬1) أُزُرَنا: أي نِسَاءنا وأهلنا، كنى عنهُن بالأُزُرِ، وقيل: أرادَ أنفُسَنا، وقد يُكنى عن النفس بالإزَارِ. انظر النهاية (1/ 47).
(¬2) الحَلْقَة: بسكون اللام السلاح وقيل الدُّرُوع. انظر النهاية (1/ 410).
(¬3) حِبَالًا: أي عُهُودًا ومَوَاثِيق. انظر النهاية (1/ 321).
(¬4) الهَدْمُ: يُروى بسكون الدال وفتحها، فالهَدَم بالتحريك: القَبْر يعني إني أُقبَر حيث تُقْبَرون. وقيل: هو المَنْزِل: أي منزلُكم مَنزلي، لا أفَارِقُكم. والهدم بالسكون وبالفتح أيضًا: هو إهدَارُ دَمِ القَتِيل. والمعنى: إن طُلِبَ دَمُكم فقد طُلِبَ دمي، وإن أُهدر دمُكم فقد أُهدِرَ دمي، لاستِحْكَامِ الألفَةِ بَيْنَنَا، وهو قول معروفٌ للعرَبِ، يقولون: دَمِي دمُكَ وهَدْمي هَدْمُكَ، وذلك عند المُعَاهدَة والنُّصْرَة. انظر النهاية (5/ 218).

الصفحة 584